الجمعة، يناير 25، 2013

(( .. عيش دور المتحرّي .. ))

بسم الله الرحمن الرحيم

(( .. الجثّة المتفحّمة .. ))




سمع عبدالله الذي كان جالسًا في منزله - الذي يعيش فيه وحيدًا - في منطقة جنوب السرّة - ضاحية الشهداء، ومعه صديقيه ( يوسف وحسن )  في إحدى الليالي طرق الباب فاستئذن صديقاه وخرج .. فوجده صديقه ( مخلد ) .. فارتبك عبدالله وطلب منه أن يتفضل لكن مخلد ارمقه بنظرات غضب وقال له بصوت خافت :

" شوف يا عبدالله ... اليوم إن ما جبت فلوسي ترى اقسم بالله أقتلك ! وماراح اخلي احد يكشف جريمتي ! لانّك تماديت حدك !!!! فلا تخليني اجرم فيك !!! اليوم يا تجيب فلوسي .. يا انه بيكون آخر يوم في حياتك !!! "

في ذلك الوقت .. كان حسن يسترق السمع من خلف الباب دون شعور منهما .. ثم دخل مسرعًا .. وجلس بجوار يوسف الذي قال له :

" ها حسن .. منو اللي طق الباب ؟ "

" مخلد ..تصدق يا يوسف انه قاعد يهدد عبود انه يرتكب فيه جريمة بشعه .. والمصيبة انه يقول محد بيكشف جريمته !! "

دهش يوسف وقال :

" اوف هذا من صجه ؟؟؟؟ استغفر الله .. ليش يهدده ؟ يعني عشان فلوسه اللي تسلّفهم قبل جم يوم ؟ شدعوه عاد كلها ميّة دينار ! مخلد بخيل والله "

" بس تصدق .. ما اعتقد مخلد بيسويها ! لانه يحب يهايط ويهدد ! "

" اها يعني تقدر تقول ( حجي فاضي ) ! بس هم لازم نخاف يسويها !! لان الفلوس تعمي قلوب ! "

"أيواه !!! خلاص اسكت .. شكلهم دخلوا "

دخل مخلد وعبدالله المنزل وسلّم مخلد على يوسف وحسن ثم جلس .. وبدأوا بعد ذلك بلعب لعبة ( الكيرم ) .. فعبدالله وحسن في فريق ومخلد ويوسف في الفريق الاخر .. وحصل تحدي فيمن ينتصر !! وكان النصر كثيرًا يعود إلى فريق عبدالله وحسن.

جلسوا يلعبون ويتسامرون حتى الفجر .. وبلا شعور ناموا واستيقظوا عند الظهيرة .. فأعدّ حسن لهم طعام الغداء ( مجبوس سمج ومرق دقوس ) .. وكان طعمه شهيّ جدًّا، وكان معه يوسف يسلّيه في الحديث.

بعدما انتهى حسن من إعداد الطعام .. حمل يوسف الطعام إلى الاصدقاء .. وكعادة عبدالله كان يجلس في المنتصف .. فهو يرى أنّه مكانه الأنسب والأفضل له دائمًا، وهي عادته التي يعرفها أصدقاءه، وانتظروا حسن حالما يأتي بالمرق .. وحينما أتى طلب منهم عبدالله أن يبدأوا بتناول طعامهم الشهيّ.

أثناء الطعام شعر عبدالله بنعاس شديد .. فاستئذن اصدقاؤه وراح يغط في نوم عميق  .. فاستغربوا انّه لم يكمل طعامه لأن هذا ليس من عادته، لكنهم لم يهتموا لأنّهم اعتقدوا أنّ عبدالله نام بسبب أنه لم ينم جيّدًا بعد السهرة، أو ربما أنّه اليوم لا يشتهي الطعام بسبب تهديدات مخلد ! هذا ما اعتقده أصدقاؤه حينما نام في وقت غير معتاد عليه مسبقًا.

بعد الغداء أخرج حسن علبة سجائره من جيبه .. وأشعل سيجارته وبدأ يدخن .. فنهره مخلد وطلب منه أن لا يدخن لأن رائحة الدخان تزعجه وتضر الغير مدخن بنسبة كبيرة جدا .. فخرج حسن إلى الحديقة ليدخن .. وخرج معه يوسف وجلس بجانبه فمدّ حسن إليه علبة السجائر فرفض لأنّه لا يدخّن !! ونصحه يوسف بأن يقلع عنها بسبب أضرارها التي لا تحصى ولا تعد أولًا، ولأجل مخطوبته ! فنظر إليه حسن بطرف عينه ثم قذف سيجارته التي شرب القليل منها وهي ما زالت مشتعله وقال :

" تعرف نقطة ضعفي يا يوسف ! وهذي الزقاره حذفتها !! كل ما اقعد وياك تقولي هالشي .. عشان ما اكمل زقارتي "

"  ابي مصلحتك وأخاف على صحتك "

" اشكرك ! يالله شرايك نمشي نروح المركز العلمي ! والله من زمان ما رحت له .. اشتقت اشوف القرش والبطاريق ! "

" والله خوش فكرة ... يالله الحين اجيك .. بس بروح الحديقه اخذ الكاب حقي نسيته .. وبعدها بروح الحمام "

" غريبه صاير تنسى ! اعرفك ذاكرتك قوية !! عموما انا بروح اشغل السياره .. انطرك ماشي "

ضحك يوسف ثم قال :


" هالايام صاير افكر وايد ! عشان جذي صرت انسى ... يالله عن اذنك "

دخل يوسف ووجد مخلد جالسًا في الصالة فقال له متسائلًا :

" ها مخلد شعندك ؟ ترى عبود نايم ويبي يرتاح .. شرايك تروح ويانا للمركز العلمي ونجي اليوم بالليل ! "

نظر مخلد إليه نظرات لا مباليه وقال بسخط :

" أنت شكو ؟ شكى لك مني اني مزعج واقعده من نومه ؟ شيصير مثلا لو قعدت لليل ؟ ما ابي اروح وياكم ! خلني هني احسن !! وعشانك  يا يوسف ... الحين بنام ! شتبي بعد ؟ "

كظم يوسف غضبه وسكت قليلًا ثم قال :

" مو مشكلة ! انا اسف اني تكلمت ! في امان الله "

" حياك ! "

في ذلك الوقت كان حسن يتذمّر من تأخّر يوسف، وانتظر حتى خرج يوسف إليه بعد ربع ساعة فضحك وقال :

" اسمحلي بعد قلبي ... بس حصل جدال بيني وبين النفسيه مخلد "

" ليش شعنده بعد ؟ "

" ماكو بس اسلوبه خايس مثل وجهه .. المهم ما عليك منه ! خل نروح بيتنا عشان بغيّر ملابسي ! "

" اي والله غيّرها .. ريحة البنزين بملابسك دوختني "

" السموحه ..  بس رحت حمام الدور الأرضي   .. وهناك كان في جركل بنزين دعمته بالغلط ! لان لمبة الحمام كانت طافيه .. وما انتبهت له "

" وليش ما شغلت اللمبة .. وريحت بالك ! يا اخي بصراحة .. مالي خلق اروح بيتكم ! "

" ياخي لمبة الحمام خربانه .. شسوي ! صج انك كسول !! يالله روح البيت بسرعه .. لا تأخّرنا عن طلعتنا ! "

انطلق حسن إلى منزل يوسف - خلف منزل عبدالله بشارعين - وهناك نزل يوسف وانتظره حسن خارجًا .. وبعد دقائق لاحظ حسن دخان كثيف من خلف المنزل .. فشعر بشيء مريب فاتصل بيوسف طالبًا منه الخروج سريعًا .. فخرج يوسف وصعد السيارة .. ورجع مسرعًا نحو مكان الحريق .. فصعقا حينما شاهدا أن الذي يحترق هو منزل عبدالله .. وكان مخلد خارج البيت يتنفس بصعوبة !

نزل حسن من سيارته وانطلق نحو مخلد فامسكه من قميصه بقوة وضربه على وجهه وقال غاضبًا :

" يا نجس .. سويت اللي براسك وقتلت عبّود !!!! عبالك ما ادري شنو بينكم ؟ امس كنت اسمعك تهدده بالقتل .. وان جريمتك محد بيكشتفها .. !! يا نذل صج انك مو كفو صداقه ولا حشيمة ولا احترام .. يالله اتصل بالطوارئ لا اقسم بالله ارتكب فيك جريمة ابشع من هالجريمة ! "

صعق مخلد من كلامه فهو يحاول استيعاب ما قاله حسن لكنه لم يستطع ، فقال :

" يبا والله مو انا اللي حرقته .. شفيك !!! وعلى فكره .. ترى اتصلت بالطوارئ من قبل ما اشوف وجهك "

" يا جذاب ... تحلف الله بعد ؟ عيل شعندك ظليت بعدنا لهالوقت ؟ ودامك مو انت اللي حرقت البيت ... عيل ليش ما كلّفت نفسك وأنقذته ؟ ... تدري شلون ! الحين تجي الشرطة .. فراح اكون شاهد على انك انت اللي حرقت البيت "

حينها تدخل يوسف وقال :

" إي وانا بعد شاهد ! وانا اقول ليش قبل شوي صاير نفسيه !!! أثاريك عشان كنت تفكر بهالطريقه ها ! ولما جيتك اطلبك تطلع من البيت .. شكلي خربت عليك جو تفكيرك !!! ترى حاولت اني ابعدك عن عبّود وأخذك معانا .. لأني ادري فيك كنت تبي ترتكب جريمة فيه ! "

غضب مخلد وقال :

" انثبروا .. لو بقتله .. ما اقتله بهالطريقة الغبيه ! مو لهالدرجة اجيب لنفسي الشبهات ... !! وانا كنت احاول أنقذه بس للأسف أني ما لقيته في غرفته !!!! لأني لما شميت ريحة الزقاير والبنزين من السرداب .. قعدت من النوم ..  وصعدت لعبّود بالدور الأول عشان أبلغه باللي حصل ! بس ما لقيته !!! فحسيت انه نزل للسرداب ... ولما رحت ابي انزل للسرداب .. ما قدرت صراحة لأنّي لقيته قاعد يحترق .. وطلعت بسرعة من البيت ... واتصلت بالطوارئ من تلفوني !!! "

ثم نظر إلى حسن وأردف قائلًا :

" يعني ماكو غيرك يدخن .. وانت تدري فيني اكره ريحة الزقاير !!! يالله اعترف ! تسوي نفسك تبي تمشي .. واخرتها رايح للسرداب .. واستغليت غفوتي وانشغال يوسف بالحمام !! "

رد حسن بنبرة صارمة :

" يا شقول ... اصلا ما كنت بالبيت لما احترق ... كنت عند بيت يوسف ... وعندي شهود على هالشي !! وانا مو غبي عشان احرق صديق طفولتي ... خصوصا ان ما عندي سبب يخليني افكر اقتله بهالطريقة البشعه "

" ما عندك اسباب ها !!! لا تنسى انه كان بايق منك جوهرة غاليه ... كانت هدية من امك الله يرحمها ! وحتى انت يا يوسف ... كان عبدالله يبتزك بفضيحة شيكات بدون رصيد !! يعني كلنا عندنا دوافع لقتله "

ثم فكّر مخلد قليلًا وقال :

" اللي محيرني !! اني شميت ريحة البنزين والزقاير قبل لا يحترق السرداب !!! شلون عبدالله نزل مع ان ما كان في حريقة هناك !!! واللي حيّرني أكثر ان عبّود ما يدخّن ! فشلون وصلت ريحة الزقاير هناك ! "

قال يوسف واثقًا :

" حتى لو كان يبتزني فهذا مو سبب يخليني اقتله ! وبعدين ترى انا وحسن عندنا دليل براءتنا .. وهو بُعدنا عن مكان الجريمة ! وكذلك عندنا شهود .. وهم جيراننا وأهلي "

ثم أرمق مخلد بنظرة ماكرة :

" يعني مافي غيرك يا مخلد ... أعترف ولا تعقد الشرطة ! "


حينذاك وصلت الاسعاف والشرطة والمطافئ وبعدما اطفئ الحريق دخل رجال الأدلّة الجنائية للتحقق من الحالة ! وكان التقرير يقول بأنّ الحريق كان بفعل فاعل واصابع الاتهام تتجه نحو مخلد كونه الوحيد الذي كان موجودًا في المنزل ! لكنّه اعترض وأنّه لم يفعل ذلك خصوصا ان لا وجود لدليل يثبت انه هو من اشعل النار !

وبعد لحظات وصل النقيب مشعل وابنه كالعادة ! بدأ مقروط بالتحرّي والبحث بعدما زوده تقرير الادلة الجنائية بأن الحريق هو بفعل فاعل ! 

بحث عن الأدلّة لكن قبل أن يطرح أسئلة على المتهم .. أخبره مخلد بكل ما حصل لكن الذي لم يفهمه المحققون الاخرون الذين كانوا على أرض الحدث هو ( كيف يتهم مخلد صديقيه حسن ويوسف وهما بعيدان عن أرض الحدث ؟ )  أمّا مقروط فكان لديه نظرة أخرى لما حصل ورجع يتقصّى مسرح الجريمة.

طرح مقروط سؤالًا لحسن :

" وين كنت قبل لا تطلع من البيت ؟ "

" كنت في الحديقة ادخن زقارتي ! وحتى ما دخنتها كلها ... دخنت شوي ثم حذفتها .. وما قرّبت صوبها "

ثم توجه مقروط بجسده نحو يوسف وسأله :

" وين كنت قبل لا تطلع من البيت ؟ "

" دخلت للحديقة عشان اجيب الكاب حقي .. ثم دخلت البيت عشان بروح الحمام .. جان اشوف مخلد قاعد بالصاله .. وبعدين رحت الحمام وطلعت لرفيجي حسن اللي كان ينطرني برى "

" وشنو تفسّر وجود ريحة البنزين اللي أشمّها منك ؟ وإن ما خاب ظنّي مو الجوتي حقك ؟ "

نظر يوسف إلى حذائه ثم قال :

" دخلت الحمّام .. ودعمت جركل بنزين بالغلط ! فـ دست عليه وللحين الريحه فيه .. طبعًا لمبة الحمّام كانت ما تشتغل .. عشان جذي ما انتبهت للجركل "

ثم نظر مقروط نحو مخلد وقال له :


" مخلد .. طبعًا محد يقدر يروح السرداب إلّا ويمرّ من صوبك !! ما لاحظت أحد نزل للسرداب ؟ " 


" لا والله أبدًا .. لأنّي نمت بعدما راح يوسف للحمام ... وقعدت خايف لما شميت ريحة الزقارة والبنزين ! فرحت ادوّر على عبدالله في غرفته عشان أبلغه باللي حصل ... لكن للأسف ما لقيته ... فحسيت انه نزل للسرداب ... ولما رحت بنزل لقيت السرداب يحترق ! فطلعت بسرعه واتصلت بالطوارئ "

" معقوله مثلا يكون عبدالله نزل للسرداب عشان حس ان في حريقه ! واحترق بهالسهوله ؟ شلون ما انقذ نفسه !؟ شغله محيره صراحة .. وانا متأكد ان في احد استدرجه لهالمكان او جابه هني بطريقة خبيثه !!!! "


قال مخلد وهو ينظر إلى حسن بنظرة خبيثة :

" يمكن اللي طبخ الغدا .. حط بالاكل مخدر ! لأنّ عبدالله مو من عادته ياكل شوي ثم ينام فجأه !!! وأضيف إلى هذا انك تعرف وين يقعد عبدالله على سفرة الاكل دايمًا ! فمو صعبة عليك تحط مخدر بمكانه ! وشكله لما شافني نايم .. استغل وقته وراح شال - حمل - عبّود ونزل فيه للسرداب عن طريق ذاك الاصنصير - المصعد - !! "


وأشار مخلد إلى المصعد خلفهم، ثم قال حسن غاضبًا :

" لا تطالعني بهالنظرات .. ! يمكن الولد سدت نفسه من تهديداتك ! وليش ما تكون أنت اللي سويت كل هذا ... عشان محد يشك أنك القاتل !!! "


ثم نظر حسن إلى مقروط :

" صدقني .. ما حطيت له مخدر ! ومافي دليل أصلًا يثبت إدانتي " 


أثناء ذلك سمع مقروط من ضابط الأدلة الجنائية الذي كان يعرض التقرير على النقيب مشعل بأنّ الضحيّة قد تناول مخدّرًا لذلك لم يستطع أن يستيقظ ويقاوم الحريق فمات بسبب ذلك.

فاستئذن مقروط المشتبه بهم وانطلق نحو الحديقة ليتأكد من وجود سيجارة حسن .. لكنّه لم يجدها ملقاة على الأرض، ثم رجع ذهب إلى المطبخ يبحث عن اعواد الثّقاب لكنّه لم يجها أيضًا، ثم  نزل إلى السرداب فوجد هناك لبنة - طابوقة - قد صار لونها أسود بسبب الحريق فاستغرب وجودها في هذا المكان ! 

وبعد تفكير عميق .. توصّل مقروط إلى معرفة سبب وجود تلك اللبنة اختفاء أعواد الثقاب والسيجارة، وكذلك أدرك كيفيّة حدوث الحريق، وكيف ستكون هذه الطريقة في صالح القاتل .. وهو في نفس الوقت .. بعيدٌ عنْ هذا المكان ! فتكون الشبهات والشكوك .. بعيدةً عنْه.

ثم مرّ مقروط بجانب الحمّام في الدّور الأرضي فوجد مصباحه مضيئًا والباب مغلقًا، وحينما خرج من في الداخل - وكان ضابط شرطة - سأله :

" عفوًا حضرة الضّابط .. في أحد دخل الحمّام قبلك ؟ "

" لا .. ليش ؟ "

" أبدًا مافي شي .. بس حبيت اسأل "

" شوف الحمام من داخل شحلاته ... هالبيت كل شي فيه عجيب "

" صحيح .. الظاهر كان صاحب هالبيت غني .. عمومًا أشكرك " 

ذهب مقروط إلى المشتبه بهم وقال وهو ينظر إلى القاتل : 

"  دخلت السرداب ونفّذت الخطوة الأولى من مهمتك وهي ان يكون عبدالله في السرداب وسط البنزين ! ... ثم طلعت برّى البيت .. ورحت بعيد عن هالمكان عشان تنتظر النتيجة ... !!! وبعد دقايق احترق السرداب .. وبجذي تكون نفّذت الخطوة الثانية والأخيرة من مهمتك .. وأبعدت عنك كل الشبهات "


من القاتل ؟ وما الأدلّة ؟ وكيف كانت طريقة حرق المنزل ؟؟؟ وكيف انتقل الضحيّة من غرفته إلى السرداب ؟

أعتقد إنّي وضحته لكم حيل .. بس اللي عليكم تبحثون لي عن إجابات الأسئلة ;) 


السبت، يناير 19، 2013

(( .. عيش دور المتحرّي .. ))

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(( .. الصعقة الكهربائية .. ))





في يوم مشمس جميل وبعد صلاة الظهر كان النقيب مشعل في يوم إجازته جالس في صالة منزله وبجواره زوجته وأبنائه فطلبوا منه أن يأخذهم إلى برّ السّالمي بعد اسبوع كان مليء بالأمطار فوافق وارتدى ملابسه الرياضية وانطلقوا، وهناك راحوا يبحثون عن مكان جميل يملؤه اللون الأخضر لتزداد نزهتهم متعة وجمالًا.

لما وجدوا المكان المناسب نزلوا من السياره واستنشقت زوجة مشعل الهواء المنعش وقالت :

" يالله ! وأخيرًا قدرنا نطلع من البيت ونستانس !! وااي شنو هذا صارلنا سنة كاملة ما جينا بهالمكان الحلو !! كله بسبب دوامك يا شعّول "

ضحك مشعل وقال :

" شسوي يا ام مقروط هذي حال الدنيا ! لازم كد وشغل وتعب "

وأثناء ذلك جاءه اتصال هاتفي فنظر إلى هاتفه فوجده رقم صديقه الضابط أحمد  ثم رفع رأسه ونظر إلى زوجته فشعرت أنّ هناك ثمة أمر قد حصل ! وأيقنت أنّ نزهتهم ستنتهي حالًا ! فرد مشعل على الاتصال واخبروه بأنّه يجب أن يأتي إلى منطقة الصليبية فهناك حالة طوارئ احتمال تكون جريمة شروع بالقتل !

أخذ مشعل أهله إلى المنزل وارتدى زي العمل ومن ثم انطلق وابنه الفضولي إلى الصليبيه حيث المنزل فدخلوه ووجدوا امرأة قد فقدت وعيها بسبب صعقة كهربائية نتجت عنها حروق من الدرجة الثالثة والمشتبه بهم اربعة :

 ميري : الخادمة

حنان : ابنة أخت المجني عليها - موظفة في وزارة الشئون الاجتماعية والعمل

سعاد : زوجة ابنها خالد - تعمل في صالون خاص للنساء

موضي : طالبة في كليّة الدراسات التكنولوجية

طلب مشعل منهم الافادة بما حصل فاخبروه أن هذه المرأة الغائبة عن الوعي قد دخلت مطبخ المنزل كي تطفئ موصلات الكهرباء بسبب أن الكهرباء حينها كانت لا تعمل لذلك يجب ان يتم اغلاق جميع كهرباء المنزل ! واثناء وجودها في المطبخ تم تشغيل الكهرباء من جديد وحينئذ صعقت فسمعن صراخها وانطلقن إليها فلما رأوها كذلك اسرعن إلى محوّل الكهرباء الموجود في ممر المنزل ليطفئوه وبعد ذلك دخلن عليها لكن لحسن الحظ غابت عن وعيها ولم تمت.

طرح عليهن مشعل سؤالًا :

" شلون تكهربت وهي بعيده عن الكهرباء ؟ "

أجابته موضي :

" كانت الارض مبلله بالماي ولقينا واير الثلاجه مقطوع وكان موصل بالكهربا، اما طرفه المقطوع فكان على الارض ! واللي حيرنا ان الحنفيه كانت مبطلّه مع اني متأكده اني سكرتها قبل لا تنطفي الكهربا بساعة !!! واللي زادنا حيرة اكثر ان فتحة ماي المجاري كانت مسكّره !!!  "

طرح مشعل سؤالًا آخر :

" منو اللي طلب من امج تروح للمطبخ ؟ "

" هي عادتها تدخل المطبخ إذا طفت الكهربا عشان تطفي كل شي خصوصا انها حافظة المطبخ شبر شبر اكثر من اي شي ثاني  "

" منو اول شخص وصل عندها ؟ "

" ميري هي اول وحده لانها كانت بالحوش عشان تطفي بلاك كهربا الحوش والديوانية "

سكتت قليلًا ثم أردفت بنبرة قلقة مرتبكة :

" حضرة النقيب ... فهمت من كلامك ان في جريمة صايره ! "

نظر إليها نظرة حاده وقال :

" يمكن ! ما استبعد وجود جريمة ! ويؤسفني انكم متهمون "

صعقن بكلام النقيب وسكتن ولم ينطقن بشيء ! وانتظرن الادلة لتثبت براءتهن.

في ذلك الوقت وبعدما سمع مقروط افادتهن راح  يدقق النظر في المطبخ عله يجد دليلًا ! وهناك لاحظ أن موصل كهرباء الثلاجه لم يكنْ أصلًا على وضعية التشغيل  لكي يسبب تلك الصعقه بعد تشغيل الكهرباء مباشرة !!

ولاحظ أيضًا وجود خط لسلك رفيع وشريط لاصق حوله على حائط المطبخ من الاسفل  ينتهي عند الحجرة بجانب الممر موصول إليها بدقة وبشكل لايلفت الانتباه فادرك ان هناك مجرم ذكيّ ارتكب ذلك عمدًا.

رجع مقروط إلى المطبخ ولاحظ  فوق الثلاجه بقع زيت زيتون ! ثم شد انتباهه بقع من الزيت نفسه على ملابس الخادمة ميري من ناحية الكتف ! فسألها :

" ميري شنو هذي البقع على ظهرج ؟ "

حاولت ميري ان تنظر فلم تستطع سوى ان تلمح القليل من البقع وقالت :

" بابا هازا زيت أكل .. "

هزت راسها وقالت خائفه :

" بابا والله أنا مسكين !! هازا زيت يطيح لما انا يبي ياخذ مية فلوس تحت ثلاجه ... هازا زيت فوق ثلاجه من زمان خراب يسوي كسر "

سكت مقروط ومشى عنها ولم يكمل التحقيق، ثم دخل إلى الغرف الداخليه والصالة واستمر في بحثه حتى لاحظ وجود خطوط على يدي سعاد ! فراح يطرح عليها سؤالًا :

" الاخت سعاد ! عفوًا شنو سبب وجود الخطوط على يدينج ؟ "

نظرت إلى يديها وقالت مرتبكة :

" عفوًا استاذ مقروط هذي الخطوط بسبب الخيوط لاني اشتغل بصالون "

قال وهوينظر إليها نظرة شك :


" اها السموحه ! "

مضى يبحث عن اشياء اخرى تفيده أكثر، وصعد بعد ذلك فوق سطح المنزل فوجد سلكًا كهربائيًّا رفيعًا ففحصه فوجد انه ما زال جديدًا وتم القاؤه هنا قبل وقت قصير وقال في نفسه وهو يفكر :

" بيوت الصليبيه صغيره من طابق واحد فمو صعبه على الجاني انه يقدر يحذف سلاح الجريمة فوق السطح ويتخلص من كل دليل يثبت ادانته !!!! "

فحمله في كيس ثم نزل ونادى موضي وطلب منها ان تقول له ما حدث بالتفصيل منذ أن أطفئت الكهرباء حتى حصلت حادثة الصعق ! وأثناء ذلك سمعوا صراخ شاب وقد بدى عليه الحزن والبؤس وكان ذلك الشاب هو خالد ابن المجني عليها لكن الشرطة طمأنوه بأنّ أمّه ما زالت على قيد الحياة لكنها غائبة عن الوعي وأنّ الاسعاف أخذتها قبل دقائق لتعالجها فاطمئنّ لذلك ثم جلس واخذ نفسًا عميقًا وطلب كوبًا من الماء.

حينذاك طلب مقروط من موضي أن تعطيه التفاصيل فذكرت له التالي :

" كنا قاعدين بالصاله انا وحنان وامّي اما سعاد فكانت في غرفتها تسوي شغل بنات حق نفسها، والخدامة كانت بغرفتها تغيّر ملابسها، وبعد لحظات راحت حنان تبي تشغل التلفزيون لان في برنامج هي متابعته بيطلع ذيج الساعه ! ولما شغلت البلاك - موصل الكهرباء - طفت الكهربا مباشرة ... وكل وحده منا راحت مكان عشان نطفي البلاكات، فراحت امي للمطبخ، وراحت ميري للحوش ثم الديوانية، اما سعاد فكانت في غرفتها وحنان طفت بلاكات الصاله والغرف اللي حواليها ثم راحت تكلم سعاد في غرفتها ثم طلعت تكلمني وهي واقفه عند باب الغرفة لاني كنت بذاك الوقت اشغل كيبل الكهربا ! ولما شغلته سمعنا امي تصرخ فرحنا نركض لها ولما وصلنا انصدمنا ! فدخلت انا وسعاد عليها اما ميري ما دخلت لانها كانت خايفه مرتبكة، اما حنان فراحت تطفي الكيبل ثم تتصل على الطوارئ ... وهذا كل شي ! "

قال مقروط بأسى :

" اعوذ بالله! عاد الصعق مشكلة بس الحمدلله انها ما ماتت وإن شاءالله ترجع لكم بالسلامه "

" الله يسلمك "

" سؤال ... ليش سعاد سوت شغلها في بيتكم بالتحديد ؟ ليش ما سوته في صالونها ؟ "

" اهي احيانا تاخذ اجازة حق نفسها وتخلي رفيجتها مناير تشتغل مكانها، واليوم طبعا اجازتها "

" انزين ممكن تقولين لي شنو حصل بعد الحادثه ؟ حاولي تتذكرين !! "

" شلون يعني ؟ "

" يعني احد طلع للحوش مثلا ؟ أو راح للديوانية او شي مريب ويجيب الشك ؟ "

حاولت موضي ان تتذكر لكنها لم تستطع تذكر كل شيء وقالت :

" ان ما خاب ظنّي ... حنان راحت تغسل وجهها بمغسلة الديوانية لانها حست بدوخة اما ميري فراحت للديوانية عشان تقعد بعيد عن المطبخ ! لان جتها حالة قلق وخوف وهي قلبها رهيف وحساس ! اما انا ظليت وياها قاعده اما سعاد اظن انها راحت الصالة تجيب عباياتنا لان الشرطة والاسعاف كانوا بطريقهم لبيتنا "

" اممم ... ما سمعتوا صوت شي يطق بسقف بيتكم ؟ يعني مثلا شي احد حذفه وطاح فوق البيت ؟ "

" اعتقد اي .. بس عبالي قطو اسود دايمًا يسوي ازعاج فوق سطحنا فطنشنا وما اهتمينا " 

" ومتى كان بالتحديد ؟ "

" اعتقد لما كنت بروحي مع امي ! "


" حلو ... سمعت في البدايه انكم نظفتوا المطبخ قبل ساعة من الجريمة وبعد الجريمة انصدمتوا ان الحنفيه كانت مبطّله وفتحة مايا لمجاري مسكره !! ... فممكن تقولين لي منو دخل المطبخ بعد ما نظفتوه ؟ او انه راح لاي مكان بجانب المطبخ ؟ "

" سعاد طبعا كانت بغرفتها وهي قريبة من المطبخ، اما حنان فاذكر انها راحت الحمام الداخلي - عزك الله -، اما ميري فراحت تتسبح في حمام الديوانية ثم رجعت تغير ملابسها في غرفتها ! اما انا ما طلعت صراحة وظليت مع امي بالصالة "

" حنان وميري ..شكثر طولوا برى ؟ "

" حنان يمكن جت بعد خمس دقايق اما ميري فطولت صراحه يمكن ربع ساعه !! إي وتذكرت شغله ! "


" غريبة ! ميري ما انتبهت لحنفية الماي وهي راجعه من الحمام ؟ "

" لما سالناها قالت انها شافت الباب مسكر وما جا في بالها ان هالشي صاير داخل ! "

" سؤال اخير ... هل تعرفين احد عنده دوافع في قتل امج ؟ "

اطرقت برأسها بحزن وقالت :

" ميري طبعا شبعت زف من امي وكلام جارح ! وحتى امي للاسف مرات ما تعطيها راتبها بوقته ومرات ما تعطيها كلّش بسبب اهمال بسيط منها ! أما سعاد فهي مسكينة لانها تعاني العقم ..وامي دايما تنتقدها وتعيب عليها بسبب مرضها، اما حنان فهي هم ما سلمت من كلام امي وتجريحها لان حنان عايشه عندنا بعدما ماتوا امها وابوها بحادث وهم راجعين من السعوديّة ! اما خالد فكانت امي تفشله جدام زوجته  لما يخطأ وتعامله معاملة جهال ! "

" اخوج طبعا برى الشبهات لانه ما كان موجود بالبيت وقتها ! وطبعا انتي عندج دافع لان مو معقوله ما سلمتي من تجريح امج ! السموحه على كلامي بس بالجرايم مافي شي اسمه حبيب او صديق ! الشيطان إن ركب بالرّاس ينسي الانسان حليب امه ! وشغل المحققين مافيه مجاملة لذلك اعذريني على صراحتي فهي مطلوبة "

" صدقت صراحه ... امي هم كانت تجرحني بس كنت اصبر لأنّها امي وواجب علي برّها والصبر عليها عشان رضا ربي ! "


طلب مقروط بعد طرح الأسئلة من موضي أن يتفقد حجرة سعاد فوجد موصل للكهرباء بالقرب من باب الغرفة وان اثر الخيط الرفيع والشرائط اللاصقه يصل هنا في هذا المكان فشك ان القاتل قد مر من هنا حينما كانت ام خالد في المطبخ لينفذ جريمته لكن من سوء حظه أنّ خطته فشلت.

في تلك الاثناء سمع مقروط أباه يقول :

" الظاهر انها مو جريمة لذلك نشكر الجميع على تعاونه "

فانطلق مقروط وهمس في اذن ابيه :

"يبه اتوقع انها جريمة قتل "

وأراه السلك الذي وجده فوق السطح ثم اخذه إلى حيث اثر السلك والشرائط اللاصق حوله وقال :

" شوف هذا اثر واير كهربا ضعيف .. وصّله الجاني لغرفة موضي اللي صوب الممر بطريقة ما يلاحظها الا من يدقق النظر على الطوفه ! والممر والغرفة مو بعيدين عن المطبخ ! وشوف حوالين الواير اثر لزاق شفاف وهذا يدل على انه ثبت الواير باللزاق "

نظر النقيب الى مقروط وقال :

" وليش ما تقول من البدايه عشان نرفع البصمات عن الواير ونكشف القاتل ؟ "

" لا يبه مو عن ! بس كنت شاك في البداية ولا تنسى ان القاتل مو غبي عشان ينسى بصماته على الواير ! وانا متأكد ان هذيج هي القاتله لوجود الادله ضدها "

من القاتل ؟ وما الأدلّة ؟

ملاحظه : الدوافع ليست دليل على إدانة القاتل ! فالأدلّة وحدها تكفي !! ;)


الاثنين، يناير 14، 2013

(( .. عيش دور المتحرّي .. ))

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(( .. أحمر الشفاة .. ))





نوف وحصه وغاليه وساره صديقات يحصل بينهن سوء تفاهم احيانًا بسبب اشياء بسيطة كعادة بعض البنات ثم بعد ذلك يعتذرن من بعضهن فالصداقة لا يمكن أن تنتهي ببساطة لو كانت جذورة عظيمة تمتد إلى الأعماق، ولو انتهت فهو دليل أن القلب يخلو من تلك أي حب، لكن أحيانًا يظهر من لا يقدّر الصداقة ! وهذا أمر وارد .

سارة فتاة ميّزها الله سبحانه بجمال يسلب العقل مما جعلها تجذب أنظار كثير من  الشباب لاسيما أنّها تهتم بنفسها إلى درجة الجنون فهي لا تخرج قبل أنْ تضع مساحيق التجميل وتضعها دائما في حقيبتها اليدويّة لكنّها مع ذلك سليطة اللسان وقحة الأسلوب لا تقدّر مشاعرا لغير، أما نوف فهي لا تهتم كثيرًا بنفسها من ناحية المظهر لأنّها تهتم بدراستها ومستقبلها كثيرًا، أمّا حصة فلم تكن جميلة وكانت تغار جدًّا من ساره وتحاول جاهدة أنْ تكون أجمل، أما غالية فهي قوية الذّاكرة نبيهة سريعة البديهيّة تهتم بالأشياء الغامضه والدقيقة، فضوليّة لأبد الحدود ولا تلتفت إلى الجمال الظاهري كثيرًا رغم أنّها جميلة.

في أحدى الليالي جاءت غالية بسيارتها ( بنتلي ) إلى ساره لتأخذها وصديقاتها إلى مطعم ( ميس الغانم ) المحاذي لبحر الخليج فطلبت منها أن تنتظر ريثما تضع مساحيق التجميل لكن غالية طلبت منها ان تأتي بها معها وتضع المساحيق في السياره لانها في عجلة من أمرها، فوافقت ساره واخذت معها المساحيق ونزلت بسرعه ثم انطلقوا إلى نوف وحصّة فاخذوهما.

بينما هم في الطريق كانت ساره تتزّين بالمساحيق وتتحدث عن نفسها كثيرًا حتى استاءت منها صديقتيها نوف وحصّة من هذا الغرور أمّا غالية فكانت تجاملها بضحكات ومدح حتى لا تشعرها بأنّها غير ذلك، ثم نظرت ساره إلى حصّة عن طريق المرآة أمامها وبدأت تنهال عليها بالسّخريّة وأنّ لا أحد ينظر في وجهها مدّعيّة بأنّها هي فقط تستحق ثم نظرت إلى نوف ونعتتها بالمعقده المهمله وكذلك غالية التي أيضًا لم تسلم من سخريتها .

غالية تحاول تهدئة غضب نوف وحصّة قائلةً لهم :

" طنشوا كلامها لان الجمال هو جمال الرّوح مو جمال الوجه "

ضحكت ساره ثم قالت :

" يا معوده يعني ما تبينهم يتضايقون ! اصلا ما قلت الا الحق ،، وانا ابيهم يهتمون بانفسهم لاني مليت من اهمالهم ! واصلا المفروض اني ما اطلع معاكم لان مو حلوه احد يشوفني مع بنات مو من مستواي وينتقدني "

رغم تلك الشرارات التي اطلقتها ساره لتستقر في قلوب صديقاتها إلّا أنّ غالية جاملتها وطلبت من نوف وحصه أن لا يعيروا لكلامها أيّ اهتمام لأنّ هذه هي عادة ساره لا تملك لسانها كثيرًا وكل ما يجول في قلبها الأسود ينطلق به لسانها السليط.

وصلوا إلى المطعم في تمام الساعة 8 مساءً، وتقدمت ساره عنهم بخطوات بعيده فقالت غاليه :

" ساره شفيج طلعتي قبلنا ؟ خلينا نمشي مع بعض احسن ! "

ضجرت ساره وقالت :

" يوه !!  بروح قبلكم !! لا تبطين جبدي خليني امشي بروحي .. مو ناقصه فشيله "

ثم مضت إلى المطعم تتبختر في مشيتها، حينها  شعرت غاليه بالضيق فمرّت نوف بجانبها وهمست :

" هذي ضريبة المجاملة يا غاليه ! هذي إنسانه مو كفو تجاملينها "


سكتت غاليه ولم تنطق بكلمة ! ثم دخلوا المطعم وحجزوا طاولة ثم جلست غاليه بجانب ساره ومقابلهما نوف وحصة.

بعدما طلبن المأكولات، أخرجت ساره من حقيبتها اليدويّة منظرة لتنظر إلى نفسها كالعادة فشعرت نوف بالغيرة وطلبت من ساره مساحيق التجميل فنظرت إليها ساره بسخرية ومدت إليه حقيبة المكياج وقالت :

" غريبة المعقدات صاروا يهتمون بانفسهم ! خلاص اخذي مكياجي وروحي للحمام بس لا تكثرين منه ! إلّا صج تعرفين تحطين مكياج ولا اعلمج ؟ "

قالت نوف بضجر :

" انطرج تعلميني ! على فكرة ترى اعرف احط مكياج بس اليوم طلعت مستعجله وما يمديني احطه ! ومكياجي مو مثل مكياجج يخرع جنج مهجرج !!! وعلى فكرة ترى انا مو مثلج اهتم بشكلي أكثر من اخلاقي ! احطه بس لما اطلع ولما ارد البيت اغسله وما انام عليه واصبح عليه ! ياااي عليج شنو هذا ؟! "

سحبت ساره حقيبتها بقوة وقالت :

" عيل انتي مو كفو اعطيج مكياجي يا المعقده "

هنا تدخلت غاليه :

" بسكم نجره اعوذ بالله من ابليسكم ! خلاص اثنيناتكم حلوين بس سكتوا وخلونا نستانس بطلعتنا ! يعني كل ما نطلع تصير بينكم هالنجره ؟ "

ارمقت ساره إلى غاليه بنظرات ثم اوشحت بوجهها وزفرت اما نوف فكتفت يديها وتضرب بقدمها اليسرى الارض بسرعه وتشهق وتزفر، وبعد لحظات من الصّمت بدأت غاليه تمازحهن وتضاحكهن، ففي البداية رفضت ساره ان تضحك لكن بعدها تقبلت الامر وضحكت، وطلبت غاليه - حينما شعرت ان الغضب قد انجلى من القلب - من ساره ونوف ان يعتذرا من بعضهما فرفضت ساره لكن نوف كانت اعقل منها فاعتذرت وقبلت ساره الاعتذار.

وضعت ساره حقيبتها فوق المنضدة - الطاوله - ونظرت غاليه إلى الحقيبة واستئذنت من ساره فتحها فوافقت وبينما كانت تنظر إلى محتوياتها وتمدح بما فيها كان كبرياء ساره يزداد فهي تثق بغاليه وتثق بذوقها وتحب مدحها لذلك تتقبل منها كل شيء، ولفت نظر ساره أحمر الشفاة نوع ( ماك ) وبدأت تقلبه وقالت مازحه :

" شكله جنه لون .. يونس والله "

ضحكت ساره وقالت :

" شدعوه غلاوي ... اول مره تشوفين روج ؟ "

" لا شدعوه والله اتغشمر بس هالنوعيه ما اشتريها عشان جذي لفت نظري شكلها الحلو واللي لفت نظري اكثر ارقام روجج غير عن ارقام روجي !!! اقصد روجج زايدين عليه حرف انجليزي اما انا بس رقم ! مادري يحسسوني ان هالارقام قياس مثلا للروج ولا شنو ! "

" ممكن تقريبًا قياس للون !! امبيه عليج تدقيق وفضول يا غلّوش !! عجيبه والله "

ضحكت غاليه ثم لاحظت شيئًاً في وجه ساره وقالت :

" يااي توني انتبه على روجج الزّهري ... حطيتيه عشان امس قلتلج غيري مو ؟ يا حياتي فديتج يا سارونه .. الزهري حلو عليج وايد "

نفشت عن شعرها بغرورو قالت :

" هذا هو الذّوق يا غلّو ! واليوم حبيت اغيّر لأنّي ما انسى نصيحتج لما تقولين ان التغيير حلو فغيرت اليوم عشانج "

نظرت حصه إليها نظرة احتقار وقالت :

" ترى الغرور بيذبحج يا ساره "


نظرت ساره إلى حصه بسخرية وقالت :

" اقول جبي .. ترى مالي خلق اوصخ لساني عليج ! "


" يالنظيفه ! بسكت عشان غاليه ونوف ولا انتي والله مو كفو احد يحترمج "


" يالله منّاك ... يهالوه "


تدخلت غاليه :

" تكفون خلّونا نستانس ! يرحم امكم خلونا نسولف عن شي مفيد ! "


ضحكت حصه وقالت لساره :

" اتغشمر لا تزعلين ! "


" غشمرتج ثقيله يا حصه "


" شسوي ... نعامل الناس بالمثل "


ضحكت ساره وقالت :

" يمه منج ! "


ثم طلبت حصّه من ساره أحمر الشفاة ( الوردي ) لتزين نفسها به فضحكت ساره بسخريه وقذفته عليها واستئذنت حصه لتذهب إلى دورة المياه لتزين شفتيها به وأخذت معها نوف، هناك بدأت ساره تتزين بينما نوف دخلت إلى الحمام لتقضي حاجتها ثم خرجت ووجدت حصه مرتبكة ! فقالت نوف :

" شفيج حصه ؟ "   

اشارت إلى المغسلة ويدها ترتجف خوفًا فنظرت نوف فوجدت أحمر الشفاة فقالت :

" امبيه ! شفيج خايفه ؟ عادي طاح بالماي .. شصار يعني ؟! بس ليش ما بطلتي فتحة المغسله عشان ينزل الماي وتقدرين تشيلينه ! صج خوافه يا حصه "

تنفسّت حصّة الصعداء واستئذنت نوف لدخول الحمام فدخلت وبعد لحظات خرجت فوجدت نوف قد رفعت  القطعة المعدنية - الموصلة بسلسلة إلى المغسلة - من فتحات الماء لينزل إلى المجاري ثم حملت أحمر الشفاة ورجعتا إلى ساره وغاليه، واعطت نوف احمر الشفاة لساره، وكان العشاء جاهزًا فجلسا وبدأنَ بالأكل وبعد ذلك ذهبت ساره ونوف إلى المغسله لانهما اول من انتهى من الطعام وبعدما غسلت ساره رجعت لتأخذ أحمر الشفاة الزّهري فوجدته بيد غاليه فقالت ساره وهي تبتسم :

" وبعدين يا غلّوش ؟ شعندج مع هالرّوج ؟ "


ضحكت غاليه ثم قالت :

" ماكو والله بس عجبني وودي احط منه بعد الأكل ! "


ذهلت ساره وقالت :

" غريبه ! غاليه تحط روج ! امبيه لا مستحيل ! انتي اصلا من النادرات اللي ما يحطون مكياج ! استغرب صراحه منج !!! خلاص عيل امشي نحط روج صوب المغسلة "


ترددت غاليه وقالت :

" بصراحه سارونه ما احب اتزين جدام البنات ! عندج منظره ؟ أبي احط لنفسي داخل الحمام "


" عادي شفيج ! مافيها شي .. طنشي البنات لا تهتمين فيهم ! "


" لا مو عن بس مو متعوده والله ! "


" مو مشكلة .. عيل اخذي المنظرة وانا خلاص باخذ جنطتي عشان احط من روجي الوردي لان بصراحه مو متعوده احط روج بعد اي بنت تستخدمه مباشرة ! مو عن نجاسه بس هي عادتي من زمان، لذلك بحط من الرّوج الوردي دام ان حصه استخدمته قبل ساعه إلّا ربع "


قالت تلك الكلمات وحصه تضحك قائلة :

" الحمدلله والشكر ! طبع تعقيد وتفلسف زايد ! "


ذهبتا إلى المغسله وكانت هناك نوف تضبط حجابها، ودخلت غالية الحمام وبينما كانت تتزين سقط منها أحمر الشفاة بالخطأ داخل المرحاض فشعرت بالقلق وبعد ذلك خرجت مستاءة مما جرى وأخبرت ساره - التي كانت حينها تضع أحمر الشفاة الوردي - فوبختها على ذلك ثم نظرت إلى نوف نظرة احتقار وقالت بضجر :

" عندج مرطب شفايف ؟ "

" إي عندي .... ليش ؟ "

" ودي آكله ... اشتهيته !! شرايج بالله يعني شعندي اطلبج ؟ عشان اصور معاه مثلا ؟ "

ضجرت نوف واخرجته من جيبها واعطته إيّاها فاخذته ساره ووضعت احمر الشفاة ثم وضعت المرطب بعده مباشرة ثم بدأت بتثبيته وبلعت ريقها قليلًا فسقطت على الأرض فورًا فصرخت كلّ من غاليه ونوف بقوة ودخلت النّادله، وجاءت حصه مسرعة خائفة.

هناك وجدت حصة أن ساره صارت جثة هامدة فسقطت حصة مغشيًّا عليها، وكانت اصابع الاتهام موجهة إلى نوف كونها هي من اعطتها مرطب الشفاة، فاتصلوا بالشرطة وجاءوا بعد لحظات وبدأوا برفع البصمات فوجدوا بصمات نوف على احمر شفاة ساره وصارت هي المتهمه، وعلموا أنّ ساره ماتت في تمام الساعة التاسعة مساءً.

وصل بعد ذلك النقيب مشعل وابنه الفضولي مقروط وبدأ الآخر كعادته بالتحرّي والبحث الدقيق عن القاتل، وبينما هو يبحث إذ سمع فتاة شابه تتحدث عن أدق تفاصيل ما حصل منذ أن أخذتهن من منازلهن حتّى تلك اللحظة فاعجب بذاكرتها وسألها عن اسمها فقالت :

" غاليه "

" تتميزين بذاكرة قويه ماشاءالله لذلك راح احتاجج ماشي "

" ماشي .. بالخدمة إن شاءالله "

وبعد لحظات جاء تقرير من الأدلة الجنائية يثبت أنّ المرطب لا يحوي مادة سامة إنما أحمر الشفاة هو الذي يحتويه فانكرت نوف انها قد وضعته واخبرتهم ان أحمر الشفاة هو ملك لسارة وليس لها وان حصه هي من اخذته، فسألوا حصه عن ذلك فقالت :

" إي صح .. الرّوج اخذناه وحطينا منه ورديناه لها "

طرح الضابط احمد عليها سؤالًا :

" ليش بصماتج مو موجوده على الرّوج ؟ "

" كانت المغسلة اللي جدامي فيها ماي وايد .. ولما كنت احط روج بغيت اطيح عالارض بسبب ان الماي لما انترس بالمغسله طاح عالارض فتمسكت بالمغسلة وطاح مني الرّوج "

" يعني كانت فتحات المغسله مسكره بالحديدة ؟ بس اللي اعرفه ان مثل هالاماكن ما يسكرون هالفتحات ! "

" إي يا حضرة الضابط اتفق معاك بس لما جيت لقيتها متروسه ماي ! ويمكن وحده من اليهال سوتها جذي بالغلط ! ولما طاح الروج خفت وما عرفت اتصرف فطلعت نوف من الحمام وشافتني خايفه وساعدتني "

نظر الضابط إلى نوف فأومأت برأسها موافقة كلام حصة.

ثم طرح سؤالًا عليهما :

" متى رحتوا صوب المغسلة ؟ "


قالت نوف :

" تقريبًا 8 وثلث "


ذهب الضابط يبحث عن عائلة معهم طفلة يصل طولها إلى المغسلة وسألوا أهلها عما إذا دخلت الطفلة دورة المياه أم لا ! فأجابوه بأنّها ذهبت بين الساعة  8 والربع و 8 والثلث أي قبل دخول حصه ونوف لدورة المياه بقليل.

ثم رجع الضابط ووجد حصة ونوف واقفتان امام دورة المياه فقال لهما :

" خلاص الحين يا نوف انتي وحصه استبعدناكم لان الادله المشكوك فيها الحين صارت كلها تشير لغاليه .. شكرًا "


قالتا بصوت واحد :" عفوًا ولو "


في ذلك الوقت ذهب مقروط إلى شرطي الأدلة الجنائية الذي يحمل التقرير بعدما استمع إلى أقوال حصه ونوف وسأله :

" السم من متى موجود ؟ ممكن الوقت المقدر ؟ "

" أعتقد انّ السم مو توه حاطينه !! تقدر تقول من امس، فراح نستبعد نوف وحصه أمّا غاليه فالشكوك الحين عليها وإن ما لقينا دليل يثبت إدانتها فراح نستبعدها !! "

نظرت نوف إلى غاليه وتذكرت انها عبثت بأشياء ساره خصوصا أحمر الشفاة الذي أخرجته فهمست للضابط :

" بفيدك يا حضرة الضابط .... ترى صديقتي هذيج كانت تتعبث باغراض ساره الله يرحمها ... فممكن تكون هي اللي حطت السم "

" بس السّم يا بنيتي من امس اعتقد انه موجود ! "

" صدقني ممكن امس كانوا مع بعض وحطته لها ! ساره تثق بغاليه حيل "

فكّر الضابط مليًّا ثم قال :

" لنفرض أنها امس حطت السم ! عيل شلون اليوم لما حطت الروج ما تضررت ؟ "

" اهي تحب تحط وردي بس اليوم بالذات حاطه زهري حتى احنا استغربنا صراحة يا حضرة الضابط ! حتى سمعت ساره تقول انها غيرت الرّوج عشان غاليه ! وحتى اهي طلبت من ساره تعطيها روجها الزهري فعطتها ودخلت الحمام تحط منه بحجة أنّها مو متعوده تحط روج جدام البنات  وطاح منها بالمرحاض عزك الله !! "

سكتت نوف ثم اردفت :

" حضرة الضابط بقولك شي خطير !!!!! ترى غاليه عندها اسباب تخليها ترتكب جريمة مثل هذي في حق ساره ! ولو كان عندها وقت اكثر لارتكبت ابشع منها ! "


صعق الضابط وقال :

" ليش ؟ "


" لأن ساره كانت سبب في موت أخت غاليه اللي اسمها ( أفنان ) وما استبعد انها بتنتقم منها ! "


وضع الضابط سبابته وابهامه على ذقنه وراح يفكّر بعمق ويبحث عن أدله في حقيبة غاليه تثبت وجود السم او أي شيء يثبت ادانتها فهي بلا شك في اعتقاده قاتلة ساره مهما ادّعت البراءة.

بينما ذلك الضابط غارق في بحر افكاره كان مقروط يبحث عن الحلقة المفقودة في هذه القضية المعقدة، وراح يبحث في أشياء صديقاتها، وبدأ بعد ذلك بتدقيق النظر في أحمر الشفاة المسموم أكثر من مرّة فلاحظ شيئًا شدّه بقوّه ثم انطلق بسرعة إلى  غاليه - كونها قوية الذاكرة - يطلب منها صورة لسارة تضع فيها المساحيق وتمعنّ في الصورة جيّدًا ثم طرح عليها سؤاليْن فأجابت عليهما.

بعد تلك الإجابة على السؤاليْن وجد مقروط الدليل القاطع الذي يثبت إدانة القاتله الذي شك فيها كثيرًا، بعد ذلك ذهب إليها فناداها ولحقت به وقال لها واثقًا مبتسمًا وموليًّا ظهره إليها وواضعًا يديه في جيبه :

" كم كنتِ ذكيّة لما تخلّصتي من كل ما يدينج يا قاتلة ساره .. ما عدا شي واحد نسيتي انج تدققين عليه .. وهو موجود في الرّوج "

ثم نظر إليها وأشار بسبابته قائلًا :

" فلولا هالشي ما كشفتج "

من هي القاتله ؟ ما هي الأدلّة على ذلك ؟ وكيف وصل إلى الدليل ؟

بدون الاجابة على هذه الاسئله تعتبر الاجابه ناقصه وليست بكافيه :) ... 

الخميس، يناير 10، 2013

(( .. عيش دور المتحرّي .. ))

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(( .. السّلاح الخفيْ .. ))





كان النّقيب مشعل جالسٌ في منزله يتابع أخبار السّاعة التاسعة صباحًا وبجانبه كوبًا من القهوه بينما مقروط كان جالسًا في حجرته يقرأ إحدى روايات أغاثا كريستي، فجاء اتصال في تلك اللحظة من صديق مشعل يدعوه إلى حضور حفل عشاء بمناسبة تخرّج ابنه من جامعة هارفارد  الأمريكيه.

قبل مشعل الدّعوه وفي الليل أخذ معه ابنه مقروط فلما وصلوا رحب بهم صديق مشعل الذي يُدعى ( جابر ) وأجلسهم في أحد المقاعد، وكان من بين الحضور رجل عجوز يُدعى ( هاني ) - مدير شركة هاني وأولاده للمقاولات - يرتدي نظارة شمسية فشك مقروط انه اعمى البصر، وكان أحدب الظهر يتكئ على عصاه الحديديّة التي تساعده في المشي ومعه خادمه الخاص أسمر البشرة طويل القامة يُدعى ( نجم ).

لاحظ مقروط - الفضولي بطبعه - أحد الأشخاص وهو يمشي باتجاه العجوز وصاحبه وجلس بجانبهم، ودار بينهم حديث وكانت ملامح ذلك الشخص تدل على انّه يحاول أن يستفزهم ! وربما كان استفزازه لهم بسبب صفقات تجارية تخص الشركات أو ربما غيرها، لكن الخادم نجم كانت تظهر منه إيماءات تدل على أنه قد وصل إلى ذروة الغضب والعجوز يحاول تهدئته فهدأ.

بعد لحظات قام ذلك الشخص نحو الحمّام فتبعه نجم وبعد عشرة دقائق خرج نجم وهو يمسح يديه بمنديل وكان الارتباك واضح على وجهه فأخذ العجوز ممسكًا عضده بيده ليدله على الطريق وخرج بسرعة.

لم يلاحظ ذلك إلّا مقروط بينما الباقي كانوا منشغلين جدًّا بالحفل والفرح والضحك وجو المرح، وأثناء ذلك دخل احد المدعوين إلى الحمّام فرأى ان باب الحمّام مقفلًا فانتظر بضع دقائق ولكن لم يخرج أحد من الحمام فطرق الباب وسأل عمن يوجد أحد في الداخل لكن لا مجيب فاحس ان هناك ثمة امر مريب قد حصل ! فخرج إلى جابر يخبره بأنّ باب الحمّام مقفل وعندما طرق الباب لم يجبه احد.

ذهب جابر ليستطلع الأمر فطرق الباب ولكن لا مجيب، فاضطر لكسر الباب فلما كسره وجد جثة هامدة ورصاصة قد اخترقت رأسه والدماء تسيل من رأسه فاسرع على الفور لينادي النّقيب مشعل الذي جاء بدوره ليفحص ويحقق في الجريمة لكن مقروط قال له بأنه شاهد رجلًا طويل القامة اسمر البشرة قد دخل خلفه ثم خرج مرتبكًا مضطربًا مسرعًا واخذ معه عجوزًا يرتدي نظارة سوداء وربما كان ضريرًا ! 

عرف جابر من هو المقصود فأخذهم حيث يسكن ذلك الرّجل العجوز فلما وصلوا إلى منزله الفاخر وطرقوا الباب خرج لهم ابنه الكبير وقال لهم بأنّ اباه قد ذهب إلى احد الفنادق وقد حجز ليومين واعطى للشرطة كل ما يفيدهم، فانطلقوا إلى الفندق فلما صعدوا إلى غرفته في الطابق السابع سمعوا صوت زجاج يتحطم فطرقوا الباب وينادونه بصوت عالٍ وسمعوا بعد ذلك صياح العجوز فأسرع مقروط إلى طلب النّجدة من أمن الفندق ليأتوا بمفاتيح احتياطية فلما فتحوا الباب ودخلوا وجدوا أن رأس نجم قد انفصل عن جسده أما العجوز فقد طُعن في كتفه والدم يسيل منه وكان الجرح عميقًا جدًّا وعصاه في حضنه.

طلب النقيب مشعل من الأدلة الجنائية اخذ البصمات وحينما استجوبوا الرجل العجوز قال وهو يتألم :

" بصراحة .... ما ادري ...... شنو صار ...... بالضبط ! بس ..... اللي صار ...... هو اني وخادمي ...... قاعدين بالغرفه ...... وفجأة انكسر قزاز - زجاج - الدريشة ...... ثم ..... ثم ..... ثم سمعت صوت يدل .... يدل على ان في شخص طاح ...... ثم حسيت بطعنه ..... آخ ألمها قوي ! انطعنت في كتفي ... فلما انتوا طقيتوا الباب ......... كسر الدريشة ...... ونحش ! "

ثم أردف بأسى :

" يا حسرتي على خادمي نجم ........  كان ونعم الخدم عندي .......... في بيتي ! الله يرحمك ......... ويغفرلك ......... يا نجم "

قال مشعل بنبرة حيرة :

" اللي محيرني انه شلون دخل معاه سيف للفندق !؟ مو معقوله تسلق الفندق من الطابق الارض لهني والسيف معاه ! لان واضح ان الطقه كانت بالسيف "

قال مقروط :

" فعلًا شي غريب ! شلون بيشيل سيف ويدخله فندق الحراسه فيه مشدده ؟ شغله ما تدش بالراس ! او ممكن هالشخص ادخل هالسيف بطريقة مخفيه !!! "

" ممكن ليش لا يا ولدي ... الحين كثير اشياء صاروا يهربونها بطرق غريبه "


ذهب مقروط يتفقد الشرفة فوجد حبلًا يتدلّى للأسفل يصل إلى الطابق الخامس حيث شرفة إحدى الغرف فنزل مقروط سريعًا إلى هناك وطرق الباب فخرجت له امرأة قريبة من الخمسين عامًا فطرح عليها سؤالًا :

" عفوًا خالتي ... زوجج موجود ؟ او ولدج ؟  "

" لا ... زوجي طلع قبل ساعتين بس ما رجع للحين !!  "

شعر مقروط بصدمة وقال متسائلًا في نفسه :

" معقوله تكون زوجة  اللي قبل شوي قتله نجم بصالة جابر ؟! ودرت بمقتله فانتقمت من نجم ! بس هي كبيرة في العمرّ وشلون تتسلق وتخاطر حتى توصل  للدور السابع ! يمكن كانت تلعب جمباز! منو يدري فاحنا نعيش في عالم غريب حيل صراحة !!!  "

وبينما هو غارق في تفكيره قالت له :

" شفيك شاحب الوجه؟ في شي صاير؟ "

ابتسم مقروط وقال مرتبكًا :

" لا يا خالتي بس استغربت من شغله وجيت اسأل ! اممم ممكن سؤال غريب !؟ "

" تفضل يا ولدي "

" خالتي تلعبين جمباز او كنتي قبل تلعبين جمباز او تحبين العاب الخفه ؟ "

ضحكت ثم قالت :

" يا ولدي انا وين والجمباز والعاب الخفه وين ! هذي مو لي .. خلاص كبرنا "

" أها مشكوره خالتي، والسموحه على الازعاج "

" لا عادي يا ولدي حياك الله "

رجع مقروط إلى غرفة الرّجل العجوز وهناك كان يتمعنّ ويدقق في الوجوه الموجودة هناك تارة وتارة يفكر في امر تلك المرأة في الطابق الخامس فربما كانت تخفي شيئًا عنه لتبعد عنها الشبهات في هذه الجريمة البشعة !

ويقلب مقروط النظرات من جديد فنظر إلى الرجل العجوز الذي كان حينها مدّ يده إلى الماء الذي كان بجانبه ثم نظر إلى أبيه فوجده يستجوب أمن الفندق ثم أخبر اباه بأنّ الحبل يصل إلى الدّور الخامس وان هناك امرأة وحدها تنتظر زوجها فطلب باحضارها وتفتيش غرفتها.

حضرت واستجوبها لكن لا فائدة تذكر بل حتى غرفتها لا يوجد شيء أبدًا يشبه السيف ! فاستئذنت فأذنوا لها ورجعت إلى غرفتها من جديد.

لم يستسلم مقروط لليأس ذهب يستطلع غرفة الرجل العجوز والشرفة ثم الحديقة عله يجد شيئًا لكن من دون فائدة ! بحث في كل مكان ولم يجد سلاح الجريمة ولا حتى اي شيء يقوده إلى القاتل رغم شكّه بأحد الموجودين في الفندق لكن سلاح الجريمة ينقصه حتى يوجه اصبع الاتهام إلى القاتل.

رجع مقروط إلى غرفة العجوز ذابل الجسد وقد أرهقه التفكير ووجد أن رجال الشرطة قد بعثروا أثاث الغرفة، وطلب منه العجوز حينها بأن يجلس على الكرسي - واشار العجوز إلى الكرسي بجانب الطاولة - لانه سمع زفرات تعب مقروط لذلك طلب منه الجلوس ليرتاح.

واثناء جلوسه كان منهك الجسد لكن تفكيره ما زال نشطًا إذ ترددت في رأسه عبارات وكلمات هي :

" في الحياة يوجد أشياء كثيرة نافعة لكن بعض البشر قد يستخدمونها في طرق شريرة أو يخفون فيها ما يدنّسها لخراب الأرض ! "

كانت تلك الكلمات تتردد وهو يقلب نظره في كل مكان في الغرفة باحثًا عن شيء يدله إلى السلاح حتى استقرّ نظره على ذلك الشيء وحينما اقترب اكثر منه ودقق النظر اكتشف أنّه حقًّا هو السّلاح الخفيْ.




من القاتل ؟ >>> أعتقد وضح القاتل
ما الدليل ؟ وما هو السلاح ؟