الاثنين، أغسطس 18، 2014

(( .. وتلاشى كُل شيء .. ))


       بسم الله الرّحمن الرّحيم









   ركب أحمد الطائرة التّابعة للخطوط الجّويّة الكويتيّة، ليعود إلى الكويت .. بعد خمس سنوات من الإقامة في لندن لنيْلِ الجنسية البريطانيّة.

   بعد لحظات،أقلعت الطائرة نحو الأفق. وعلى مقعده الملاصق للنافذة، راح يلقي بصره إلى السّماء، فأعجبه منظر الغيوم الكثيفة كيف تكوّنت وتجمّعت، وكيف تسير بشكل يثير الإعجاب وتقديس الخالق. ثم أخذته الذَكريات إلى ما قبل خمس سنين، حين تقدّم لفتاة، كانت تدرس معه في الجامعة، فأعجبته، وأحبّها لكنّه لم يقدم على علاقة معها. فقرّر العزم على خطبتها. وذات يوم، لحقها إلى منزلها، وقام بتدوين عنوانها، ثم عاد لمنزله.

   أخبر والدته بالأمر، وصارحها بأنه يريد الزواج. فاستبشرت كثيرًا، ووعدته أن تذهب لخطبتها له حالما تنتهي من طهي العشاء. وعندما انتهت، رافقت ابنها إلى منزل الفتاة، فطرق أحمد الباب. وبعد دقيقة، خرج رجل عجوز طاعن في السّن، وقد ارتخى حاجباه على عينيه، فسألهما:
-من أنتما؟

   أجابه أحمد:
-أهلًا، أدْعى أحمد. وهذه أمّي، تريد مقابلة زوجتك.

   تنهّد العجوز، وهزّ رأسه بحزن، مجيبًا:
-توفيّت زوجتي رحمها الله قبل سنة، وليس أحدٌ هنا سوى ابنتي الوحيدة.

  ثم أردف:
-أمهلني دقائق قليلة.

   بعد ثلاث دقائق، خرج العجوز، وطلب من أحمد الدخول إلى مجلس الرّجال، بينما دخلت الأم إلى صالة المنزل.

  دار حوار طويل بين أحمد ووالد الفتاة، حيث أخبره الشّاب بأنّه يريد خطبة ابنته، وأنّه رآها في الجامعة محتمشة بأخلاقها ولباسها، فنالت إعجابه. وحين علم العجوز بأنّ أحمد لا يمتلك الجنسية، رفض طلبه بإصرار! فسكت الشّاب مغتمًّا لبرهة من التفكير، ثم سأل:
-ولو تجنّستُ خلال خمس سنوات، هل ستوافق لو أتيتُ وطلبتُ يدها؟

  ضحك العجوز، وأجاب:
-لو كنتُ حيًّا، سأوافق.

  عند تلك اللحظة، أيقظه صوت شخير بجانبه منٓ الإبحار في ذكرياته وتأمّلاته. كان الصّوت المُزعج يصدر من صديقه، المرافق معه في هذه لرحلة الطّويلة. ابتسم أحمد لمنظر صديقه، ثم التفت للنافذة من جديد، فظهر انعكاسة صورته عليها. وتمتم بأمل:
-إنّها مجرّد مسألة وقت يا خلود، وستكونين لي.

     بعد ساعات طويلة، وصلت الطّائرة أرض مطار الكويت الدّولي، في وقت العصر. فأيقظ أحمد صديقه، وبعدما قاما بإجراءات العودة، ركبا سيارتهم، المركونة في مواقف المدى البعيد، ثم انطلقا.

   نزل أحمد أمام منزله، ودخل إلى أمّه وإخوته يسلم عليهم، ثم قال لوالدته:
-لنذهب لخطبتها.

  تعجّبت الأمّ، قائلة:
-ارتح قليلًا يا بُني، واصبر إلى الغد.
-الأمر لا يحتمل الصبر. أرجوكِ، لنذهب حالًا.
-يالكٓ منْ عنيد! سنذهب، سنذهب.

    ارتدت الأم عباءتها، ثم ذهبا إلى منزل الفتاة. نزل أحمد من سيّارته، وقبل أنْ يطرق الباب، تفاجأ بخروج طفلٍ صغيرٍ من المنزل! استغرب، وتساءل لمن يكون هذا الطّفل! فخرجت بعد ثوانٍ .. امرأةٌ تغطّي رأسها بشالٍ أسود، وبطرف الشّال الطّويل .. تغطّي نصف وجهها. فرأت شابًّا غريبًا واقفًا أمام منزلها، فدخلت بسرعه، وعيناها تترقّبان الطّفل. 

   أشار أحمد لوالدته، فنزلت، ودخلت إلى المنزل. ثم مضى الشّاب إلى الطّفل، وكان قلبه يخفق بشدّة وقلق. فهو متأكد أنّه ليس لديها إخوةٌ أو أخوات!  ثمّ انحنى عليه، ومسح رأسه برفق، وعلى شفتيه اتسعت ابتسامته، فقال له:
-حبيبي، ما إسمك؟
-كالد (خالد).

   ثم تردّد يسأله السّؤال الآخر! شعر بأنّ لسانه أصبح ثقيلًا جدًّا. فأجبر نفسه على نطقه بتثاقل:
-م.. منْ ... هي أمّك؟
-كلود.

   بدت صدمة عنيفة على قلبه، وفتح عيناه على وسعهما دهشةً، ثم حسرةً على ما حصل! فتراءت أمامه المغامرات والمخاطر والتضحيات لأجل أنْ تكون له زوجةً، لكن كل ذلك تلاشى في مهبّ الرّيح.

   تمالك نفسه، ثم عاد وطرق الباب، وكان وجهه شاردًا، لا يعلم ماذا يفعل! واعتقد أنّ العجوز قد خان وعده. ثم خرجت والدته له بوجه حزينٍ، تخبره بأنّ العجوز قد توفيّ، بعدما جئنا لخطبتها في المرّة السّابقة، ببضع شهور. وحين لم تستطع العيش وحيدةً، طلب يدها خال صديقتها، فقبلت به زوجًا.

   كان أحمد مشتّت الذّهن، محطّم القلب. ورغم ذلك، استطاع أنْ يصبر، ويحتمل هذا الألم في قلبه. ثم أشار لوالدته، دون أنْ ينطق بحرف، أنْ تركب السّيارة، ويعودا إلى المنزل.

هناك 20 تعليقًا:

  1. ~هناكـ أمل رغم كـل شئ ~
    رائع أحسنت كـل التوفيق

    ردحذف
  2. قصة جميلة جدًا .. ابدعت .. للأمام 👍

    ردحذف
  3. رائعــة

    ردحذف
  4. لابأس ..

    ردحذف
  5. حزينة جداً

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لمرورك
      وأعتذر إن كانت أحزنتك

      حذف
  6. جميله يا مشعل ، وكل كتاباتك جميله ، لكن ينقصك شي واحد بس احس انك استعجلت فيها شوي لو مطولها شوي كان افضضضل

    ردحذف
    الردود
    1. صحيح :-#
      شكرًا من صميم قلبي
      وشرف لي ان كتاباتي تنال على اعجابك

      حذف
  7. عورت قلبي .... تحزن :( ...
    مبدع يا مشعل ماشاء الله والاسلوب جذاب ويدخلك جو :)

    Monaian :")

    ردحذف
  8. حزينه وجميله وواقعيه
    اهنيك

    ردحذف
  9. تبارك الرحمن .. مشروع كاتب مستقبلي باذن الله ﷻ .. بس وخر عن الحزن والكآبة :(

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا آنسه أمل
      إن شاءالله راح أنوّع ^_^

      حذف

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )