السبت، مارس 14، 2015

(( .. لغز الرّؤوس الثّلاثة .. ))


الفصل السّادس


وعند الظّهيرة، شبّ حريق في القصر، وراحت النّار تلتهم كل شيء في طريقها، وكانت تكبر كلّما تحرّكت خطوة. فاستنفر الحرس، وقاموا بإخراج الشّاب الثّري إلى الخارج، وخرج أيضًا ساكنوه، منهم الخدم.

وقام بعض الحرّاس بمحاولة السّيطرة على النّيران. وفي غمرة انشغالهم بإخماد النّار، وجدت ريينا وصديقتها فرصتهما بالدّخول إلى غرفة مشعل للبحث عن مكان المال، وكانت فاطمة خائفة، فقد بحثت بخوف من أنْ يدخل عليهما فجأة أحد الحرس، فيلقي القبض عليهما متلبّستيْن.

مرّ الوقت، ولم تجدا شيئًا، فغضبت ريينا، وأمسكت دلوًا صُنع من الفخّار، وقذفته على الأرض، فخرج صوت صدى تحطّمه إلى الخرج مما دعا اثنان من الحرس يدخلان إلى الغرفة لتقصّي الأمر. ولما دخلا، لم يجدا شيئًا سوى بقايا ذلك الدّلو على الأرض متناثرة، فنظر كلٌّ منهما في وجه الآخر، وقال أحدهما:
-         كيف سقط رغم أنّ الجميع في الخارج؟!

ردّ زميله:
-         رُبما من الهواء؟
-         غبي! الهواء لا يُمكنه تحريك دلو الفخّار! لندخل ونبحث جيّدًا.

كانت الخادمتان مختبئتان في دولاب صغير، وقد خافت فاطمة كثيرًا، وتسارعت أنفاسها، فأشارت إليها صاحبتها أن تكتم النّفس قدر المستطاع إلى حين مغادرة الحارسان.

ومن حسن الحظ، أنّ غسّان نادى على كل الجنود، بعدما تم إخماد النّيران بالكامل، فخرج الحارسان من الغرفة تلبية لنداء كبير الحرس. فتنفّست الصديقتان الصعداء، فخرجت ريينا قبل فاطمة، فراقبت المكان جيّدًا، ولما رأت أنّ الحرّاس ابتعدوا، أومأت لصاحبتها بالمغادرة.
قالت ريينا:
-         اسمعيني، افعلي ما سآمركِ به.

سألتها فاطمة بدهشة:
-         وماذا ستفعلين أيضًا؟
-         سنذهب إلى غرفتي، وحالما نصل، سنقوم بتمثيلية، لو نجحت، فسيمكننا أنْ نبعد الشبهات عنّا.

ردّت فاطمة بضجر:
-         يا إلهي! أنتِ ستضعيننا في وضع حرج.
-         لا عليك، ثقي بي وفقط.

في طريقهما، قامت ريينا بلطخ وجهها من أثر الحريق، وقامت صديقتها بنفس الفعل. وفي الغرفة، سقطت ريينا على الأرض، وذهبت فاطمة تستنجد بالجنود لإنقاذ صديقتها، فسألها غسّان بانفعال:
-         ولماذا لم تخرجا مع بقيّة الخادمات؟

مسحت فاطمة دموع الكذب، وأجابته:
-         لقد كدنا أن نخرج لكنّ النّيران قد حالت دون ذلك، وبقيت في غرفة صديقتي نصارع أنا وهي الأدخنة، وهي لم تحتمل، فسقطت مغشيًا عليها.

ثم صاحت:
-         أرجوكم أسرعوا قبل أن تموت!

أسرع جنديٌّ، وهو طبيب متخصص، يتبع فاطمة إلى غرفة صديقتها، وقام بعلاجها على الفور، ثم ادّعت ريينا الاستفاقة بتمثيلية متقنة. وحين خرج الجندي، أغلقت فاطمة الباب، وضحكتا على ما قامتا به.

علّقت ريينا قائلة لصاحبتها:
-         ألم أقل لكِ أنْ تثقي بي! كوني هكذا دائمًا، ولا تخشي شيئًا.

***

          في الليالي التي تلت حادثة الحريق، عكفت فاطمة على حل اللغز. وكانت تسرح في النّهار أثناء عملها، وحتى أثناء جلوسها مع ريينا، فقد شغل رأسها تلك الرؤوس.

          وذات ليلة، شعرت بأنّها توصّلت للحل، فقالت:
-         الحل يكمن تحريك الرّؤوس، هذا هو بلا أدنى شك، لكن لهذا الحل طريقة، وأظنّه يكون عبر ترتيب الحيوانات حسب الحروف الهجائية! مثلًا سأبدأ بحرف (حاء) الحصان، ثم (كاف) الكبش، ثم (الواو) وحيد القرن.

فبدت ابتسامة واسعة على وجهها، وأكملت بانفعال كبير:
-         لا يمكنني الصبر أكثر، يجب علي الذّهاب لريينا، ثم إلى تلك القاعة.

ذهبت لصاحبتها، وأخبرتها بأنّها ستريها مفاجأة. ففي أوّل الأمر رفضت مرافقتها، لكنّ فاطمة ألحّت عليها بالذّهاب معها.

قالت ريينا بملل:
-         حسنًا، سآتي معك، وآمل ألّا يكون أمرًا يخص تلك الرّؤوس!

نزلتا إلى القاعة، وأول ما فعلته فاطمة هو أنّها اندفعت بحماس نحو رأس الحصان، فأنزلته إلى الأسفل! فصُعقت ريينا، وقالت:
-         ما هذا؟ أيعقل أنّ هذه الرّؤوس تخفي أمرًا؟

ثم حرّكت فاطمة رأس الكبش، ثم وحيد القرن، لكن لم يحدث شيء! فشعرت بالحزن، وبكت لأنّ استنتاجها خاطئٌ. فقالت لها صاحبتها:
-         لنعد، لأنّ حلّ هذا اللغز يبدو مستحيلًا.

ردّت فاطمة رافضة:
-         كلّا، لن أعود حتى أكشف اللغز. فإنّني أرى وجودي أمامه سيسهل الحل لي.

تنهّدت ريينا، ومضت إلى أحد الكراسي، فجلست عليه، وأسندت بذقنها على كفّها، وقالت:
-         كما تريدين، سأبقى أنظر إليك وأنتِ تحلّين لغزك.

تأمّلت فاطمة ببصرها ناحية الرّؤوس، وحدّت بنظرها أكثر، وتروس عقلها تتحرّك مع كل لحظة تفكير تمرّ بها. شعرت بأنّ خلايا المخ تتنشّط، وبدأ ذكاؤها ينمو أكبر وأكبر. وفي لحظة ما، أحسّت بأنّ تركيزها يتوجّه نحو قرون الحيوانات، حرّك هذا الأمر خلاياها أكثر، ثم تيقّنت الحل حين رأت بأنّ القرون جاءت متتاليّة، بدءً من الصّفر، حتّى الاثنان. 

فصاحت بيقين وثقة:
-         وجدتها، إنّها القرون.

تثاءبت ريينا، وفركت عينها، وردّت:
-         القرون أو السنين؟

التفتت فاطمة ناحيتها، وقالت لها:
-         ليس هذا وقتك يا ريينا، لقد حللت اللغز، أنا متأكّدة.

ثم مضت إلى رأس الحصان، فحرّكته، ثم وحيد القرن، وبعده الكبش، فاهتزّت الطّاولة فورًا، وانفصلت إلى نصفين، فقامت ريينا فزعة إلى صاحبتها. ثم ظهر لهما بابًا سرّيًّا به درج صغير يقود إلى غرفة، تقع في الأسفل، مكان الطّاولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )