السبت، يوليو 26، 2014

(( .. رواية: قبضة الهَلاك .. ))




الفصل الثّامن والعشرين


كشف الحقيقة المؤلمة






      صعدت لولوه سيارتها، فأخرجت هاتفها، وأجرت اتّصالًا هاتفيًّا بشخصٍ ما، ثم تذكّرت أمرًا، فاتّصلت على هاتف الوكيلة الشّخصي، تهنّئها بعودة ابنتها إليها من الخاطفين.


      ثم أشغلت سيارتها، والقت بنظرة حادّة نحو المدرسة، ثم انطلقت.

      وكانت طوال طريقها تتوعّد:
-أقسم بالله راح ننهي وجودج، يا أبله ملاك. دمّ الزّعيمة ماراح يضيع. وراح نبدي بتصفية كل مشارك في القضية، وراح تكونين أوّل من يموت.




   ***


      دخلت الموظفة النشطة ريينا إلى مؤسسة الموانيء، وكان الجميع في استقبالها فرحين مبتسمين، ففرحت إحدى الموظفات في قسم الإيجارات، تُدعى سهام، فجاءتها تحتضنها قائلة:
-
حبيبتي ريينا، والله ولهنا عليج .. حمدلله على سلامتج يا قلبي.
-
الله يسلمج حبيبتي .. تسلمين، فديتج.

    كانت عينا ريينا تبحث عن شخص ما .. لم تجده بين الموظفين، فسألتهم:
-
مشيعل وينه؟ ما داوم؟

    جاءتها الإجابة من شخصٍ خلفها، بصوت يملؤه الحقد:
-
مشيعل هذا آنا أراويه .. يضحك علي!! عباله أنا ما أفهم! يقول انه كان يهتم بأخته المرقده بالمستشفى، وهو أصلًا ما يدري عنها.

    التفتت ريينا خلفها، فوجدته المدير جواد، الذي حين رأى وجهها ابتسم، وقال:
-
حمدلله على سلامتج يا الموظفة النشيطة ... عسى ماشر؟ صج اللي سمعناه بالأخبار وقريناه بالجرايد؟

    ردت بوجه باسم:
-
الله يسلمك أستاذي، قصدك شنو؟
- ان في ناس مقنعين خطفوج؟ ثم اطلقوا سراحج مقابل فديه! جم طلبوا عاد؟

    تنهدت، وأجابته:
-
أي، هذيل عصابة أخذوني رهينة عندهم، فاتصلوا على أمّي، وطلبوا منها تدفع لهم مليون دينار مقابل إطلاق صراحي.

     صاح المدير مذهولًا:
-
مليون دينار؟ أمّج دفعتهم؟

هزت رأسها بالإيجاب، ثم قالت:
-
عادي ... أمي عندها بالبنك أكثر من هالمليون! وكذلك، هي موظفة، وعندها تجارة بعد دوامها. فيعني عادي عندها تدفعهم، الحمدلله.

     تمتم المدير، بدهشة:
-
مليون!! يخرب بيتهم .. والله قوية.

      ثم قال لها:
- معلش، اليوم لا تجهدين نفسج .. اوك؟

    وأردف بغيظ:
-
بتصل على مشعلوه وأقوله .......

قاطعه أحدهم من خلفه:
-
تقولّه شنو؟

   نظرت ريينا إلى صاحب الصوت، فابتسمت، وقالت:
-
أهلين مشيعل .. عاش من شافك.

     رد عليها ببشاشة:
-
حمدلله على سلامتج يا كاتبتنا المخضرمة .. استانست لما قريت بالجريده انج رجعتي لأهلج.
-
الله يسلمك ويحيك .. مشكور.

    استدار المدير إلى مشعل، ولما تقابلت عيناه بعينيه، قال له، متممًا كلامه، بإصرار وحزم:
-
أقوله انه يشتغل شغل ريينا كله!! يا جذاب، انت وينك؟ تقول انك تزور أختك .. وخالتك تقول العكس؟

     حاول مشعل تبرير موقفه، لكن المدير لم يمنحه فرصة، فأشار نحو مكتب ريينا، وأمره قائلًا:
-
روح لمكتبها، وخلّص معاملاتها! ثم روح مكتبك، وخلّص شغلك .. عقوبة لك يا كسول .. وحتى راتبك بخصم منه.

    تدخلت ريينا:
-
ما عليه أستاذ .. أنا ودي أشتغل صراحه.

     رد عليها رافضا:
-
لا ريينا .. يرحم والديج، أبيه هو ينكرف اليوم. والله لأعلمه شلون يجذب علي مره ثانيه.
-
بس يا أستاذ أنا يايه عشان أشتغل ...

     قاطعها باصرار:
-
عارف يا ريينا، وأدري انج تحبين الشغل بس بخليه يتعلم شوي!! وإذا مصرّه تشتغلين .. راح أكلفج بشغل غير شغلج.

     وافقت ريينا، ومضت مع المدير، بينما مشعل وقف يندب حظه، وذهب إلى مكتب ريينا، وهو يتمتم متذمّرًا، ثم بدأ العمل.


***

        أخرج طلال من شفتيْهِ نفسًا، بعد استغراق في التفكير. وكان مستلقيًا على ظهره في غرفته، ثم قام إلى غرفة أخته ليلى، فطرق الباب، وطلب منها المجيء إلى مجلس الرّجال، ليحادثها بأمر مهم.


        خرجت ليلى بعد دقائق، وذهبت إلى المجلس، فوجدت اخيها جالسًا يفكّر، بوجه شارد. جلست مقابله، وسألته:

-هلا طلال، آمرني؟


        سألها بشرود:

-من متى تعرفين مريم؟

-قصدك أي مريم؟

-اللي خلّتج تدخلين المستشفى.

-من سنوات. ليش؟


    نظر في وجهها، وأجابها:

-وللحينج تعتبرينها صديقه؟


   أشاحت عنه، وردّت:

-هذا الأمر شخصي يا طلال. ودامها صديقة قديمه، وبيني وبينها ذكريات حلوه، فصعب أنكر ذيج الأيام. والبنت طيبة بس غرّتها الدّنيا.


    بحث طلال عن طريقة ليقنعها بأنّ مريم قد أصبحت شرّيرة، لا تستحق أنْ تكون صديقة، لكنّه لم يجد ما يعينه على ذلك. فأخفض رأسه، ثم قال متردّدًا:

-ليلى، وإذا قلت لج إنّي أنا واحد منْ عصابة الأركة، شنو بتكون ردّة فعلج؟


    اهتز قلب ليلى لسماعها هذا السّؤال، ثم قالت له بذهول:

-شنو؟ من صجك؟


     اعترف مجيبًا:

-إي، أنا عضو نشط معاهم، وإسمي الحركي هو الأناكوندا!


     كانت صدمة عنيفة على قلب أخته، فحرّكت رأسها بخيبة أمل، وقالت له:

-لا، لا يمكن إنّي أصدقك يا طلال! معقولة أنت الطيب، الخلوق مع هالعصابة القذرة؟ يعني فوق ما مريم صدمتني، هم تجي أنت وتصدمني؟ ليش صرتوا معاهم، بعرف؟


    رفع رأسه، فألقى على وجهها المملوء بالصدمة نظرة خفيفة، ثم أخفض رأسه، وأجاب:

-ما عندي أي سبب منطقي يقنعج، بس صداقة قديمة مع شخص، هو اللي خلّاني أتورّط معاهم. وكانوا يهدّدوني لو تركتهم، فراح يقتلوني بأيّ طريقة. وكنت أخاف من هالشي، بس لما سمعت بسالفة مريم معاج، ما قدرت أتحمّل أكثر! طبعًا أنا قايلهم إنّي عايش بروحي، لأن لو قلت لهم إنّكم أهلي، جان هدّدوني فيكم.

-ودامهم يهدّدون بالاغتيال، ليش ما تبلّغ الشّرطة؟

-أخاف! لأنْ ايديني قتلت وسرقت، وهذا راح يخليني أعيش باجي حياتي بالسّجن، وممكن توصل السّالفة للإعدام.


   تألّمت ليلى مما سمعته منه. ثم أسدلت عينيها، وقالت بصوت حزين:

-وهّقت نفسك يا أخوي! وكذلك مريم رفيجتي. ليش ما تتركونهم الحين؟ صدّقني، لو أنّك تبقى باجي حياتك بالسّجن، أبرك من أنّك تعيش حياتك كقاتل.


    أومأ برأسه رافضًا:

-ممكن أبتعد عنهم، وأبقى مُطارد باجي حياتي منهم، بس لا يمكن أقبل أعيش ورى القضبان الحديدية!


      رنّ هاتف طلال، حينها، فنظر إلى أخته، ثم إلى هاتفه، فردّ. كان المتّصل هو الأفعى، تخبره بأنْ يأتيَ حالًا لعقد اجتماع طارئ. 


      أنهى المكالمة، ثم استئذن من أخته، وغادر.



***

     حضرت النّاظرة متأخّرة هذا اليوم إلى المدرسة، وحين رأت توقيع الأستاذة حوراء وملاك على كشف الغياب والحضور، قامت باستدعائهما. فجاءتا، ودخلتا عليها، فسلمتا، ووقفتا مطأطأتي الرأس، فقالت لهما بعد صمت:
-
وانتو شعندكم حضرتكم غايبات؟

     كانت حوراء ممسكة بورقة عذرها الطبي، فمدته إليها، قائلة:
-
عذري معاي أستاذه آمال. تخبرين، احنا بآخر الشتا .. والأمراض تكثر بهالوقت.

    أخذت العذر الطبي، ومررت عينيها عليه سريعًا، ثم رفعت رأسها، ووجهت سؤالها لملاك:
-
وانتي حضرتج .. وين كنتي؟

    تلفتت ملاك ببصرها في كل تجاه باحثة عن عذر، فلم تجد عذرًا مقنعًا. فصاحت آمال:
-
تحجي ... ليش ما تجاوبين؟

     أجابتها ملاك بارتباك واضح:
-
أستاذه بصراحه انفجر تاير سيارتي بالطريج .. وما كان عندي سبير حقها! فاضطريت أوقف الناس بس للاسف ،مافي أحد وقف لي. واتصلت على اخواني .. اعتذروا بسبب أشغالهم ....

قاطعتها آمال بنبرة شك:
-
بسبب أشغالهم ها؟ اقنعيني .. شلون يتركون أختهم بالشارع واقفه بسيارتها؟

     ارتبكت، وأجابت:
-
مديرهم ما رضى .. وأنا هم يعني عادي بس شسمه ......

     قامت الناظرة من مقعدها، وتقدمت ناحية ملاك، فلما وقفت مقابلها مباشرة، قالت لها:
-
بلا لف ودوران .. وين كنتي؟ ترى قسمًا بالله أفصلج !!!!

    ابتلعت ملاك ريقها، وأجابتها بهدوء:
-
راحت علي نومة، وعلى أساس أحط المنبه الساعه ست الصبح .. حطيته ست المغرب بالغلط، هذا اللي حصل بصراحة.

     تمالكت آمال أعصابها، ثم قالت:
-
وليش ما صارحتيني من أوّل؟ 
- بس يا أستاذه ....

   رفعت آمال يدها معترضة، وقالت:
-
ولا بس!!

      عادت النّاظرة إلى مكتبها، وأخرجت كتاب تعهد، فطلبت من ملاك التوقيع عليه، فوقعت، وتم الخصم من راتبها.


***


    عند الظّهير، وفي شقّة العصابة، كان الأناكوندا مع الأفعى الحمراء وبندقة، جالسون في الصّالة، يتباحثون فيما بينهم الخطط، الّتي رسمتها الأركة قبل وفاتها. فقرّروا أنْ يعملوا بعض التغييرات، التي من شأنها تجعل تنفيذها أمرًا بعيدًا عن أنظار قوّات الدّاخلية.


   وحين انتهوا من إجراء التغييرات، قالت الأفعى:

-قبل شوي، رحت لأختي في مدرستها، فكانت الصّدمة إني شفت البنت .. اللي كانت لابسه لبس مدني بحادثة العمارة.


   قالت بندقة:

-من صجج؟ يعني هي مدرّسة!

-إي، وطلبت من أختي تييب لي معلومات عنها. ولما نعرف مكان بيتها، فراح تكون عملية اغتيالها أمر سهل.


   فأدارت وجهها إلى الأناكوندا، وأردفت:

-مو جذي؟


    بدا على وجه طلال الارتباك، وبعض العرق على جبينه، فمسحه بمنديله، وأومأ برأسه مؤيّدًا.


   وجّهت بندقة سؤالًا للأناكوندا:

-صج بسألك، ما اتّصل رفيجك الرّاكون؟

-للأسف لا، ولا أدري عنه. ولما اتّصل فيه ما يرد.


   قالت الأفعى:

-ما عليكم منّه، خلّوه يولّي هالجبان.


   سمعوا، في ذات اللحظة، صياح إيمان، تريد الذّهاب إلى دورة المياه. فقامت بندقة، وفتحت الباب بصوتها، ورافقتها.


   هناكَ، داخل الحمّام، رفعت إيمان رأسها إلى الأعلى، فرأت نافذة متوسطة الحجم. فجاءت في بالها خطّة للهرب. فنظرت حولها، فوجدت دلوًا، كان موجودًا بجانب المغسلة، فحملته، ووضعته أسفل النّافذة، ثم صعدت عليه، وألقت بنظرها إلى الخارج، فأدركت أنّ من الصعب عليها الفرار من هنا، بسبب أنّ المكان عاليًا، ولا يوجد شرفات نهائيًّا. فخاب أملها، وقضت الحاجة، ثم خرجت.




***


    بعدما انتهى الدوام الرسمي، خرجت ريينا من المؤسسة، قاصدة مبنى الصحيفة، التي تكتب فيها مقالاتها. فلما دخلت المبنى .. بحثت عن صديقتها لولوه، لكنها لم تجدها، فاتصلت بها، ولم ترد عليها.

    جلست ريينا على مكتبها، وأشغلت جهاز الحاسوب .. لتهم بكتابة مقالها اليومي، فجاءها اتصال من لولوه. فرفعت الهاتف، وردت عليها:
-
هلا حبيبتي وينج اليوم؟
- شوي وارجع .. بس أتغدى اوك!! نور موجوده ولا طلعت؟
- راحت تسوي سبق صحفي مع الكاتبة اليابانية هيسوكا، اللي يايه للكويت بزيارة رسميه عند رابطة الأدباء.
-
همم، اوك. عيل نطريني، خلج هناك ... مو تمشين !
-
ناطرتج بس خلصي بسرعه يا بطه.

   ضحكت لولوه، وردت :
-
أوك ... مع السلامه.
     فتحت ريينا برنامج الوورد، وبدأت بكتابة المقال اليومي.

    وبعدما انتهت، اتصل بها مشعل، فاستغربت لهذا الاتصال! ردت مجيبة:
-
أهلين مشعل. 
-
هلا ريينا .. وينج؟
-بمبنى الجريدة، آمرني؟
- ما يآمر عليج عدو، بس ودي أكلمج بموضوع، إذا أمكن!
-
الحين؟
-متى تفضين؟ أنا اليوم كله فاضي!

    ردت بارتباك تحاول إخفاءه:
-
عيل الليلة فاضيه ... الساعه 8 تقريبًا ما عندي شي.
-
اوك .. نلتقي بإذن الله صوب بحر الشميمري، انطريني صوب الكراسي، اللي تطل ع البحر.
-
صار ... راح أكون هناك.

    أغلق مشعل الهاتف، فقال له دانييل:
-
بماذا أجابتك؟
- وافقت، وإن شاءالله نلتقي بالمكان اللي حددته لها .. بس ليش مصر انها مع العصابه؟ هي إنسانه مجتهده، وكله تكتب وتنتقد العصابات المخرّبه. 
-
إنّه مجرد إجراء روتيني، فقصتك التي حدثتنيها قبل قليل، حيال ما حصل معك في مواقف عملك، جعلني أشك في بعض الموظفين.

    سكت مشعل قليلًا، ثم سأل:
-
وبخصوص اللي جاي عشانه من أمريكا ... ما عرفت عنه شي؟

     زفر دانييل، وقال:
-
يؤسفني أنّني لم أجده! بحثت عنه البارحة لكنّي لم أجد له أثر .. إنّه كالريح، يتنقل سريعًا، ويصعب الامساك به.

تعجب مشعل مما سمع، فسأله سؤالا آخر:
-
شنو لقبه؟

أجابه بلهجة غليظة:
- DISASTER!! 

تساءل مشعل مستغربًا:
-
دس آستر؟ شنو معناها! بصراحه في مصطلحات ما أعرفها بالانجلش.
-
الكارثة.

   سرت رعده في جسد مشعل، فقال:
-
اسم على مسمى!! ما عرفتوا شخصيته الحقيقيه؟

أجاب دانييل بخيبة أمل:
-
كل ما توصلت إليه هو إسمه فقط! يُدعى يحيى.

علق مشعل بدهشة:
-
عربي !!!
-
لا ليس عربيًّا، إسمه جون، وترجمة هذا الإسم بالعربية هو يحيى.

    ألقى دانييل نظرة على ساعته، ثم رفع رأسه وقال:
-
لنذهب إلى رابطة الأدباء، فأنا أود التحدّث مع الكاتبة اليابانيّة بأمر خاصّ.

    
  كان الشّارع مزدحمًا، على طريق الدّائري الرّابع، كالعادة. فتمكّن مشعل من المراوغة بين السيارات، إلى أنْ دخل منطقة العديليّة، حيث وجود رابطة الأدباء.


   ركن سيارته في المواقف أمام الرّابطة، ثم دخل مع العميل الأمريكي، فبدأ هاتف مشعل بإصدار الرّنين. أخرجه من جيبه، فوجده صاحبه بكر، فأجابه، كمن يريد إنهاء المكالمة بسرعة:

-والله مو فاضي، مازلت مشغول، أكلمك شوي.


   ثم أغلق الهاتف في وجهه.


   أكملا الطريق إلى المسرح، وكانت هناك الكاتبة، قد انتهت من ندوتها، ومعها المراسلة نور، تجري معها لقاءً على الهواء مباشرة.


    مضى الوقت سريعًا، فقد كان دانييل يحدّث مشعل عن رحلاته في دول العالم، وكيف كان قبل إسلامه، وكيف أصبح بعده. وغير ذلك من الأحاديث، التي جعلت الوقت يمّر كالبرق الخاطف.


    أنهت المراسلة لقاءها مع الأديبة اليابانيّة، ثم غادرت مع طاقم العمل.


    أخرج مشعل الهاتف، وأشغل الكاميرا، ملوّحًا للكاتبة أنه يريد التقاط صورة لها، فابتسمت له، وصوّرها. وقال:

-هذي حق حور، خل أفاجئها فيها.


   قال لها دانييل:

-هيسوكا، منذ زمن لم نلتقي.


   ردّت عليه بلكنة شبه متكسّرة:

-أهلا دانييل، كيف حالك؟


    علّق مشعل مستغربًا:

-تتحجى عربي بعد!


    ابتسمت هيسوكا، وأومأت برأسها.


    أشار دانييل إلى خارج الرّابطة، قائلًا:

-لنكمل في مكانٍ آخر، ولنحاول تجاوز ذلك الجمع من المعجبين.


   تجاوزوا النّاس، لكن ليس بذات الصّعوبة التي توقّعها دانييل. ووصلوا إلى سيارة مشعل، فركبوا، ومضوا إلى مقهى في أحد الفنادق الفاخرة.


   جلسوا هناكَ، بعدما طلبوا القهوة. فبدأ دانييل حديثه بسؤال لهيسوكا:

-هل رأيتِهم؟


   أشارت الكاتبة برأسه نحو مشعل مستفسرةً عمّن يكون. فأجابها العميل:

-لا تخشي شيئًا. إنّه مُخبر لدى اللواء، ومكلّف بهذه المهمّة.


   اطمئنّت هيسوكا، وقالت:

-لم أسمع شيئًا حيالهم. فقد بحثتُ، ولكنْ دونَ جدوى.


    اتّكئ العميل بمرفقيهِ على الطّاولة، وشبك أصابعه، ثم وضع ذقنه على يديه، وزفر، ثم قال:

-لقد ازدادت الأمور تعقيدًا، فقد جاء زعيمهم الكارثة إلى هُنا البارحة، وقد كلّفوني بهذه المهمّة، وكذلك، فقد طلبوا منّي أنْ تكوني إلى جانبي، بمساعدة اللواء شهيد.


     قالت له متفهّمة:

-حسنًا إذًا. لن أحتاج بعد هذه السّاعة إلى أنْ أبقى مجرّد أديبة متخفّيّة. 

-وسأخبر اللواء شهيد بأمركِ، كي يكون على علمٍ بكِ، وبحقيقتكِ.


   رنّ من جديد هاتف مشعل، فنظر إلى شاشته، فوجده بكر. فتأفّف منه، وأجابه:

-أهلًا بالقزّيز.

-ليش تسدّه بوجهي قبل شوي؟

-والله كنت حيل منضغط، أعتذر.

-انزين، فاضي؟

-بعد شوي أفضى، وأمرّك لبيتك بعد.

-ماشي، بجهّز الشّاي.

-لا، جهّز لي عصير طبيعي.

-باللي تامره، بس تعال.

-ابشر، في أمان الله.

-في أمان الكريم.



 ___

مرادفات:

تسدّه: تغلقه.