(( .. روايتي الإلكترونية الأولى : ما زال هناك أمل .. ))




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
بفضل الله وتوفيقه انتهيت من كتابة أوّل رواية إلكترونيه قصيرة ..
وهذه الرواية سبقتها روايات وقصص قصيرة لكن ما يميزها هو أنّني سأنشرها ككتاب إلكتروني ..
طبعا ماراح انشرها في دار نشر أو غيره وإنما في روابط من موقع للتحميل ..

اللي أبيه منكم لو ما عليكم أمر هو نشرها إن كان عندكم وقت أو إن قدرتوا ..
وكذلك أتمنى أجد منكم اقتراحات وملاحظات ... فهالشي يسعدني صراحه
لان بهالشي بإذن الله أقدر أطور مهاراتي في كتابة القصص والروايات ..

والآن أترككم مع الروايه .. حملتها في صيغتين ... لان البعض ممكن ما يكون عنده برنامج ( بي دي اف ) لذلك
حملت ايضًا صيغة الـ وورد :)

هني رابط صيغة الـ word

http://arabsh.com/files/0d31434a6cf6/ما-زال-هناك-أمل-docx.html




وهني الـ PDF 
ملاحظه: هذه الصيغة ممكن تحملها كـ كتاب في برنامج ibook في الجهاز المحمول.

http://arabsh.com/files/0d31434a6cf5/ما-زال-هناك-أمل-pdf.html


أو إنّكم تقدرون تقرأونها بشكل مباشر بدون تحميل .. للي مو حاب يحتفظ بنسخه عنده :











تأليف

مشعلْ



ضبط وتدقيق 

آسية بازرارة



شكر خاص

مُصطفى الكندري

آسية بازرارة

رُوابي الزهراني

جُمانة القحطاني

صَفاء العنزي

عَبدالرحمن








المقدمة


       بفضل الله تعالى انتهيتُ من كتابةِ هذه الرّواية التي تعتبر أوّل رواية أنْشرها وهي تتحدّث عن شاب في عمر الزّهور  صار ضحيّةً لأبٍ مُهمل ، وجدٍّ متسلّط قاسٍ .. حتّى أصبح بليد الإحساس ، جاف المشاعر، كثير المشاكل، تغمر قلبه الكراهية لكن وفي لحظة لم يتوقعها يقع في إعجاب ابنة خالته التي كانت سببًا بتورّطه في قضيّة أدخلته السّجن.



        رواية ( ما زال هناك أمل ) تحمل في طيّاتها الكثير من الأمل، أُهديها لأولئك الذين فقدوا الأمل حتّى سيطر عليهم اليأس فأصبحوا ضحايا في بئره المظلم فلعلّ هذه الرّواية تنتشلهم إلى البساتين الخضراء.



                                                                “ منفذ  “
                         [ في وسط الظلام .. ابحث عن بصيص النّور فهناكَ يكمنُ الأمل ]






للإقتراحات والنقد والدعم :
Twitter: @ma8roo6
Email: m.n.k.s@hotmail.com







الفصل الأول


       الأسرة جالسون على مائدة الطعام، ينظر الجدّ إلى الوجوه التي اعتاد أن يراها كل يوم كي يتأكد من وجودهم جميعًا هنا ، لكنه لاحظ أن سعد ليس موجودًا بينهم فنظر إلى أبا سعد - الذي يُدعى حمد - بغضب وقال: " أين ذهب سعد؟ "

      حمد أطرق برأس قائلًأ :

   " لا أدري، فمنذ الصباح ... "

      فقاطعه الجد غاضبًا وهو يضرب بكفيّه على المائدة بقوة ويتهيأ للوقوف :

   " كيف لا تدري وهو ابنك؟ "

       ثم جلس على كرسيه وأردف:

   " أيّ إهمال هذا !!؟ "

       لم ينطق حمد بأيّ كلمة فالتزم الصمت لأنه لا يملك إجابة على أسئلته تلك، فأمر الجدّ ابنه حمد أن يتصل على سعد ، فاتصل مرارًا وتكرارًا لكن لا مجيب! لأن سعد يعلم أنّ أباه يتصل بسبب جدّه، وهو يرى أنه قد كبر ولا يحتاج من أحد أن يخاف عليه كل هذا الخوف المبالغ به !!

      عند الظهيرة حصل كما حصل في الصباح ، تفقّد الجد الأسرة فوجد أن سعد مازال غائبًا

   فغضب وقال لحمد:

   " إن لم تأتيني بسعد فسوف أُعاقبك يا مهمل "

      قال تلك الكلمات وهو يشير بسبابته التي كانت ترتجف بتوتر ممزوج بالغضب خصوصًا أن سعد شاب في نهاية مراهقته وعنيدٌ جدًّا ولا يكترث بتعليمات الجدّ بعدما كان يخافه عندما كان صغيرًا ، وهذا الأمر الذي جعل الجدّ يفكر مرارًا بطريقة يُخلّص فيها سعد من هذا العناد.

      في تلك اللحظة كان سعد يلهو مع أصحابه عند بحر سلوى أو ( أنجفه ) كما هو شائع اسمه في الكويت، هناك كانوا يعيشون طفولتهم في الألعاب الموجودة بالقرب من الشاطئ، ويسبحون في البحر.

       كان الطقس حينها دافئًا قبل فصل الشتاء فاستغل الشباب كعادتهم كل سنة أن يذهبوا منذ الصباح حتى الظهيرة، ومن بعدها يعود الجميع إلى منازلهم ليستحموا ويغيروا من ردائهم ومن ثم يذهبوا إلى التسكُّع في المجمعات.            

       رجع سعد إلى المنزل ودخل بهدوء ، فهو يعلم يقينًا أنّ جدّه نائمٌ في هذا الوقت بعد تناول وجبة الغداء، وصلاة العصر فيظلُّ نائمًا حتى قبيل صلاة المغرب، وبينما سعد يستحم أحسّت شقيقته ريم بشخص في دورة المياه، فطرقت الباب ورد عليها:

   "  من ؟ "

   " أأنت سعد ؟ "

   " نعم سعد، ماذا تريدين ؟ "

   " لا شيء ، لكنّ أبي خائفٌ عليك وذهب ليبحث عنك ! "

      توقفت يدا سعد التي كانت تفرك فروة الرأس وقال في نفسه مستغربًا:

   " يبحثُ عنّي ! إنّه لأمرٌ غريب!! ماذا دهاه؟ ومنذ متى أبي يبحثُ عني وأنا قد كبرت وصرت رجلًا !!! نعم في طفولتي له الحقّ في ذلك لكن الآن ليس من حقّه !!! همممم حسنًا لا يهمني ذلك!!  إنّها مشكلته أن يخاف علي ويبالغ بخوفه، يجب أن أنتهي سريعًا وأذهب إلى أصدقائي "

       وبينما هو كذلك غارق في تفكيره وحديث نفسه قاطعته أخته ريم:

   " سعد لماذا سكت ؟ "

   " ها؟ لا شيء ياريم، فقد أخذني تفكيري إلى مكان آخر "

  " آه حسنًا "

        ذهبت ريم إلى صالة المنزل وجلست تشاهد أحد البرامج على قناة ( عالم الحيوان ) فهي مهووسة بحب الحيوانات لاسيما القطط.

       بعد لحظات خرج سعد من الحمام وذهب إلى غرفته المبعثرة المهملة، فقميصه ملقى الأرض وقد بُليَ بعد شهور من الإهمال، وسريره تكدّست فوقه المنشفة وبعض الملابس التي تم تنظيفها لكنه لم يضعها في دولاب ملابسه، ناهيك عن الكتب المدرسيّة الملقاة في ركن الغرفة، وأحذيته التي ليست على أرففها المركونة بجانبها وكأنّ تلك الأرفف زينة !، وبعدما انتهى من ارتداء ملابسه ذهب لأخته ريم ووقف أمامها وهو يعرض نفسه:

   " ما رأيكِ يا ريم؟ هل أبدو أنيقًا ؟ "

   " ياي .. أنيقٌ جدًّا يا أخي "

   " رغمًا عنكِ "

      وضحك ممازحًا إيّاها حينما رآها قد غضبت، ثم خرج من المنزل  .. فصادف أباه الذي ركن السيارة ونزل منها.

      نظر سعد إلى أبيه الغاضب، ووقف وقفة اللامبالي وهو يتأمل نظرات أبيه لينظر ماذا سيفعل به بعد هذا البحث والعناء منذ الظهيرة !!!









الفصل الثاني

       نظر الأب إلى ابنه وهو ينزل من سيارته نوع كورولا أبيض اللون، وعندما وصل إليه توقف أمامه وقد تغيّر وجهه غضبًا ! سأله :

   " أين كنت يا سعد منذ الصباح ؟ "

       أشاح سعد بوجهه عن أبيه وقال بنبرة استياء: " مع أصدقائي "

      غضب الأب وقال:

 " عندما يتحدث إليك الكبير، لا تٌشحْ وجهك عنه !! وقل لي أين كنت بالضبط ؟ "

       نظر سعد إلى عينيّ والده وقد رفع حاجبًا وكأنّ كلام أبيه لم يعجبه ثم قال:

   " قلت لك مع أصدقائي! ولا يهم أين كنت فقد أصبحت رجلًا ويحقّ لي أن ... "

       فقاطعه الأب غاضبًا وهو يرفع سبابته بوجه سعد وصرخ صرخةً أخرجت جيرانه الذين بجانب منزله:

   " إيّاك أن تقلها مرة أخرى ، فما زلت تحتاج إلى أنْ تتعلم الكثير! ومن حقي كأب أن أعرف كل ما يحصل في المنزل "

      وفي لحظة صمت ملأت المكان، ينظر سعد إلى عيني والده وتارة ينظر إلى أصبعه السبابة ولا يملك شيئًا يقوله !! فهي المرة الأولى التي يغضب فيها والده منه، ولم يملك الجيران المتجمعون حولهما إلّا محاولة تهدئة الوضع لكن الأب طلب منهم الانصراف، ثم دخل كل من حمد وابنه سعد للمنزل ليكملا لهيب الحوار.

      نظر الأب إلى ملابس سعد نظرات ازدراء من أعلى لأسفل ثم قال:

   " وما هذا اللباس الغريب؟ وإلى أين أنت ذاهب الآن ؟ "

       ضحك سعد بسخرية ثم قال:

   " غريب ؟!! هذا لبس الموضة! وأنا ذاهب مع أصدقائي "

      عض الاب شفته بغيظ وجحظت عيناه من الغضب وقال:

   " ليذهب أصدقاؤك إلى الجحيم، فقد كرهتهم بسببك !! "

       رفع سعد يده بوجه أبيه وهو يصرخ:

   " إلّا أصدقائي ! لا أرضى لأحد أن يتكلم عنهم أو يمسّهم بسوء !! "

      نظر الأب نحو يد سعد مصدومًا، وفي تلك اللحظة استيقظ الجدّ بسبب صراخ سعد، ففتح نافذته وقد أطلّ عليهم من الدور الأول وهو يفرك عينيه ثم ارتدى نظارته ثم حدّق النّظر وقال غاضبًا:

   " لا تجعله يخرج يا حمد، ائتِ به إلى غرفة الجلوس فلي حسابٌ معه "

       نظر حمد إلى الجدّ وهو يحتمي بيده اليمنى عينيه من ضوء الشمس وقال:

   " حسنًا يا أبي سآتي به الآن ".

       حينما سمع سعد كلمات جدّه تلك استغل فرصته للهروب بينما والده منشغل مع الجدّ بالكلام، ففتح الباب وهرب بعيدًا!

       حاول أباه اللحاق به لكن لا جدوى .. فقد توارى عن الأنظار بين الأزقة والطرقات، فقال الأب غاضبًا :

   " تبًّا لقد أفلت مني، يا إلهي ماذا سأقول لأبي؟ أقسم لو ضربني بعصاه فسوف أبحث عن سعد وألقنه درسًا مؤلمًا لن ينساه!"

      رجع حمد إلى المنزل وهو يجرُّ خطاه خائبًا على هروب سعد فاستقبله الجدّ جالسًا على كرسيه، والجدّة بجانبه حاملةً كوب الماء، وريم تقوم بتدليك قدميه كعادتها كل يوم قبل الغروب، وزوجة حمد بالمطبخ تعدّ الشاي والقهوة العربية، وبدر الذي يصغر سعد - وهو عكس سعد تمامًا - منشغل على جهاز الكمبيوتر، فرفع الجدّ عصاه نحو حمد وقال بنبرة قاسية:

   " أيّها الجبان، كيف هرب منك ذلك المراهق ؟ ألم تستطع اللحاق به وإمساكه ؟ "

  قام الجدّ من كرسيه ومشى بخطوات بطيئة ودار حول حمد حتى وقف خلفه ثم قال:

   " أتدري؟ عندما كنتُ في سنّك كنتُ أسرع أقراني !! وأنت !! هل خرجت من ظهري لتكون كأمّك ضعيفًا ؟ "

       قال جملته الأخيرة وعيناه تتجه نحو زوجته - الجدّة - أمّا حمد فلم ينطق حرفًا، واكتفى بزفرة خفيفة ، وشحُب وجهه ألمًا فهو إن أجابه بالنفي فسوف يحكي له مغامراته أيّام شبابه وإن أجابه بالتأييد فسوف يكذبّه ولن يصدقه.

       صمت الجميع بعد ذلك وفي تلك اللحظة جاءت زوجة حمد وقالت للجد:

   " عمّي لقد انتهيت من إعداد الشاي والقهوة، وقد جهزتهما في غرفة الجلوس "
   " هممم حسنًا سآتي الآن "

        كان سعد في تلك الأثناء جالسًا في بيت صديقه عادل الذي لم يأتِه منذ أمد بعيد.
عادل ينظر إلى سعد متعجّبًا  وعلامات الاستفهام قد أثقلت رأسه بسبب مجيئه، كلما حاول أن يسأله عن السبب تردد فهو لم يُردْ أن يحرجه بأسئلته الفضوليّة، لكن فضوله كان أقوى فكسر حاجز الصمت وقال بنبرة هادئة يشوبها الفضول:

   " اممم ممكن سؤال ؟ "

        قطع ذلك السؤال حبل أفكار سعد فقال:

   " تفضل "

   " بصراحة أنا متعجّبٌ منْ مجيئك في هذا الوقت ، خصوصًا أنك منذ مدة طويلة جدًّا لم تأتِ إليّ بل وحتى بالمناسبات لم تتصل بي فكيف ..... "

       قاطعه سعد قائلًا بشكل متقطع:

   " هل .. يعني .. ذلك .. أنني .. سببت .. لك .. إزعاجًا .. في مجيئي .. إليك ؟!؟ "

       قال عادل متردّدًا:

   " لالا لا لا يا صاحبي لـ لـ لم أقصد ذلك لكنه  مـ مجرّد فضول !! "

 حدّق سعد النظّر في وجه عادل وقال:

   " فضول ؟ لا تنسى أنك رجل ، فاترك الفضول عنْكَ "

   " ماذا تعني ؟ "

   " عنيتُ ما عنيت، واللبيب بالإشارة يفهم ! "

       ثم سكتا وبدأ عادل يفكر في مقصده لكنه لم يُعرِ للأمر اهتمامًا لأنه أصلًا لم يتوصل للمقصد من كلماته، فكلّ ما يهمّه هو أنْ يعرف سبب مجيئه، لكن قاطع تفكيره سعد فقال:

  " حسنًا يا ذا الفضول، سأشفي غليل فضولك ، أتيتك لأجل أن أطمئن وأسلّم عليك "
   
   ذلك المبرر لم يقنع عادل أبدًا ، فلا يُعقل بشاب مثل سعد طائشًا أن يبادر بمثل تلك المبادرات!

       بعد ذلك دخلا في أحاديث أخرى ومن ثم احتسيا الشاي الأخضر، ثم طلب سعد من عادل أن يذهب به إلى منطقة مشرف حيث يسكن صديقه محمد، فأوصله إلى هناك ودخل في منزله، وطلب منه أن يذهب به إلى بحر الزور فورًا قبل أن يأتِ أخاه أو أباه، فهناك يكون قد ابتعد عن منزله واحتمالية وجوده تكاد تكون معدومة من قِبَل أهله.

      كان أهل سعد يشغلهم التفكير بأمره، فالأب ينتقل من مكان إلى مكان باحثًا وقد ذهب وقدّم بلاغًا في المخفرالذين قاموا بدورهم مشكورين بالبحث عنه.

       أمّا الجد فقد شعر بالتعب وهو يفكّر بأمر سعد فتارة يغضب وتارة يبكي ألمًا فهو يحبّه حبًّا جمًّا خصوصا ذكريات طفولته وهما يمرحان في حديقة المنزل ووسط البراري وعلى الشواطئ، فكلما تذكر تلك الأيام فإن نار الغضب تُطفئُها دموع الحنين.

      وبينما هو كذلك غارق في التفكير شعر بالتعب وأغشي عليه، فتجمع حوله أهله باستثناء حمد الذي كان خارجًا يبحث عن سعد، وبدر الذي كان يبحث أيضًا عند أصدقاء سعد المقرّبين، ولسوء حظ الجدّ أنّ بدر لم يرُد سريعًا على الهاتف حينما جاءه اتصال من المنزل فقال وهو يمسك هاتفه:

   " ماذا يريدون؟؟ كعادتهم يسألون عن سعد ، لا يُهم! "

       قذف بجهازه على المقعد الفارغ بجانبه، ومع تكرار الاتصالات - أكثر من عشر مرات - رد عليهم عندما أحس بخطر ما قد حصل، أمسك بالهاتف ويده ترتعد :

   " نـ..نــعم  م..ماذا تريدون؟ "

        جاء صوت ريم بنبرة خائفة مضطربة تبكي:

   " لقد أغمي على جدي وأبي بعيدٌ عنّا، أرجوك تعال بسرعة  لتأخذه إلى المشفى "

      رد عليها بنبرة لا تقل خوفًا منها وكان مصدومًا مما سمع:

   " يا إلهي .. سآتي حالًا "

       أسرع بدر بسيارته وقد كانت منطقة مشرف بجانبه، فهو كان في طريقه لمنزل محمد لكن الاتصال جاءه قبل أن يصل إليه.

     تزامن وصوله مع وصول والده ، وبسرعة أدخلوا الجد في سيارة حمد ثم انطلق مسرعًا إلى المشفى، أما بدر فقد لحق بأبيه ومعه أهله، وفور وصولهم أدخل الأطباء الجد إلى العناية الفائقة، وحمد وابنه بدر بالخارج وباقي أهله أيضًا موجودون ينتظرون ويبكون ؛ فهم الآن وقعوا في مصيبتين ( مصيبة الجدّ ومصيبة هروب سعد ) !! وليس لهم الآن سوى الصبر والرضا والدعاء.






الفصل الثالث

        الجميع ينتظر خروج الطبيب المعالج وكان الوقت يمرّ عليهم بطيئًا جدًّا فالثواني اصبحت بالنسبة إليهم لحظات طويلة عصيبة وبعد انتظار خرج الطبيب وقال:

   " إنّه في غيبوبة ... "

      سكت قليلًا وأطرق رأسه مُردفًا بأسى:

   " ورُبما ستطول به الغيبوبة ! فإن استفاق منها صار مشلولًا وإنْ لم يستفق فادعوا له بالرحمة "

       ثم أدار ظهره ومضى إلى مكتبه، بينما حزن الجميع لسماع ما حصل للجد، وصاروا يزورونه كل يوم لينظروا إليه والدعاء له فقط.

      ريم كانت تأتي وبيدها المصحف لتقرأ عند رأسه القرآن كل يوم ، فهي تعلم يقينًا أنّ القرآن شفاء وقاهرٌ لكلِّ مرضٍ عضوي ونفسي وروحي، وبدر يتصدق ويدعو كل يوم والأب أصبح يُنفق بما يقدر على الفقراء والمحتاجين بنيّة شفاء والده، وكذلك أم سعد فهي تقوم بدورها بالصلاة في آخر الليل والدعاء له بالشفاء، حتى باقي الأهل والأقارب صار هذا ديدنهم، وصار لسان حالهم يقول :

   " ما زال هناك أمل بالشفاء "

       سعد لم يرجع إلى المنزل وصاروالده يفكّر به كثيرًا، والأم تبكي كلما مرّت ساعة لم ترَ فيها ابنها وبدر المسكين كل يوم يبحث عنه.

       المشكلة تكمن في ذكاء سعد في عملية الهروب والاختباء ، فهو يختار أماكن لا تخطر في بال أهله أبدا وربما سبب ذلك أن أهله لا يعلمون شيئًا عن تلك الأماكن أو أنّها بعيدة جدًّا ولن يتوقعوا أن يكون هناك أبدًا !

       لكن بدر أيضًا كان يبحث في كل مكان سواء قريب منهم أم بعيد، وخطر بباله أن يذهب إلى صديقه مساعد المعروف بحكمته في حلّ المشاكل والذي يسكن بالقرب من منطقتهم وبالتحديد في منطقة الأندلس.

      وصل إليه ونزل من سيارته ثم طرق الباب فخرج أبو مساعد ، فتقدم بدر نحوه وقبّل رأسه وسأله عن مساعد، فطلب من بدر أن يتفضل في مجلس الرجال حالما ينتهي مساعد من الاستحمام.

      دخل بدر المجلس وجلس أبو مساعد أمامه وتحدثا عن دراسة بدر وطموحه الذي يريده، بعد ذلك الحديث الملهم دخل مساعد الحكيم المجلس فقبّل رأس أبيه ثم سلّم على بدر وانطلق إلى حيث الشاي والقهوة العربية وجاء بهما ، وبعدما شربا القهوة وضع أمامه وأمام بدر كوبًا من الشاي.

   اعتدل بدر من جلسته كي يبدأ بسرد تفاصيل مشكلة سعد، وحكى له كل ما حصل ، ومساعد ينصت بإحكام ويقظة دون شرود ودون أن  ينشغل بشيء آخر، وفجأة انقطعت عنهم الكهرباء بسبب عطلٍ حصل في المنزل فاستأذن مساعد من بدر أنْ يأتِ بشمعة، فذهب ثم أتى بها وهي مشتعلة وقد بدأت تذوب من حرارة اللهب، وحرارة المشكلة العقيمة.

   جلس مساعد بجانب بدر ينصت من جديد حتى إذا انتهى بدر قال مساعد بوقار:

   " انتهيت يا صديقي ؟ "

   " نعم انتهيت "

   " حسنًا أنت ذكرت أن سعد شاب طائش ومتهور، وذكرت أنه طويل اللسان وحاد المزاج وحذر جدًا وذكي، وهو قد هرب منذ أيام لكنكم لم تجدوه، هل بحثتم عنه في مكان بعيد عن الفردوس ؟ "

   " نعم في كل مكان "

   " صدقني يا بدر لم تبحثوا في كل مكان، فهو لم يخرج من الكويت بسبب أن أمن الحدود لديهم صورته وبياناته، ربما هناك ثمة مكان لم تبحث فيه "

      سكت وهو يفكر ثم أردف بهمس:

" بل رُبما أماكن يا صديقي ! "

       صمت بدر قليلًا ثم قال:

 " رُبما أنك على صواب لكن أين تتوقع أن نجده "

       تنحنح مساعد وقال:

   " صديقي بدر هل بحثت في شاليهات منطقة الجليعة ؟ "

 " بصراحة لا، لم أفكر بها أبدًا خصوصًا أن سعد ليس لديه أصدقاء بالقرب من تلك المنطقة، لكن قل لي لماذا الجليعة بالذات؟ ولم تقُل مثلا شاليهات الدوحة ؟ "

   " لأن شاليهات الدوحة قريبة من منزلكم، ولربما شاهده أحد قريب منكم أو جار لكم  في مكان ما بالقرب من هناك ، أفهمت يا صديقي ؟ "

   " نعم فهمت، لكنه لا يملك شاليهًا بالجليعه أيضًا  "

       ابتسم مساعد بثقة وقال:

" يا عزيزي رُبما استأجروا شاليهًا هناك، لا تدري ! "

       هزّ بدر رأسه وهو يفكر بكلام مساعد مؤيدًا إيّاه ثم قال:

   " حسنًا ، ما رأيك أن نذهب معًا لنبحث عنهُ هناك؟ "

        وافق مساعد على أن يرافق بدر إلى شاليهات منطقة الجليعة للبحث عن سعد، وحينما وصلا بحثا عنه، ومرّا من سوق مركزي هناك فعرض بدر صورة سعد للموظفين لعلّهم رآه !!

      وبالفعل حينما تعرّف الموظف الذي يعمل محاسبًا هناك عليه ذكر لهما أنه قد رآه  قبل ساعة هنا وخرج ، اطمئنّ بدر لسماعه ذلك، ثم خرج وجلس في السيارة مع مساعد ينتظرانه حتى يأتي مرة أخرى إلى السوق، ثم اتصل على أبيه الذي قام بدوره بالاتصال على المخفر ليخبرهم أن ابنه سعد موجود في منطقة الجليعة لكي يقوموا بضبطه ومن ثم يتم تسليمه إلى ذويه.




الفصل الرابع

       بدر ومساعد يراقبان عن كثب في السيارة التي ركنوها في مكان قريب بين السيارات المزدحمة هناك في المواقف حتى لا ينتبه لوجودهما، وبعد لحظات جاء أبو سعد واتصل على بدر:

   " أين أنت ؟ "

   " أنا خلف سيارة اللكزس الأبيض "

       ذهب إلى حيث الوصف ووجده داخل السيارة مع مساعد فنزل مساعد وطلب من أبا سعد أن يصعد في المقعد الأمامي، وركب هو في المقعد الخلفي، قال أبو سعد :

 " ستتكلّف الشرطة بباقي المهمة، فهي قد نصبت نقطة تفتيش قبل مدخل السوق، لنذهب بالقرب من النقطة حتى يتم القبض عليه ويسلموه لي إن شاء الله بعد التحقيق "

       بعد ساعة من ذلك الوقت جاء سعد وصديقه فلمّا لاحظا نقطة التفتيش اضطرب سعد وقال لصاحبه محمد:

   " اهرب بسرعة قبل أن يكتشفوا أمري، أنا اعلم أن أبي زوّد الشرطة بصورتي ومن المؤكد أنّهم لو رأوني فسيقبضون علي "

   " لا تخف .. تمسّك جيّدًا "

      وبحركة سريعة خالف محمد السير فاشتبهت الشرطة به، كانت المسافة بينهما مائة متر حينما لاحظ سعد نقطة التفتيش.. لحقت الدوريتان بسيارته وكان محمد يجيدُ القيادة ويراوغ بين السيارات بثقة كبيرة بقدراته.

     طلب الشرطي قوة إسناد تعمل على إغلاق الطريق، وبالفعل! في النهاية استسلما ووقع سعد في قبضة الشرطة وكذلك صديقه محمّد دون محاولة للهرب.

      تم اقتيادهما إلى المخفر ولحقهم حمد وابنه بدر وكان مساعد بالخارج ينتظرهم، بعد التحقيقات وقّع سعد على تعهّد وطلب الضابط من الأب أن يوقع تعهّد بعدم التعرّض له بأذى بعدما ذكر له سعد أسباب هروبه فوافق ووقع عليه.

      بعد ذلك ذهبوا إلى المنزل ومحمد عاد إلى منزله بعد تنازل حمد عن رفع قضية ضده، وفي السياره وبّخ حمد ابنه سعد توبيخًا يخلو من لغة التهديد على ما حصل ، لكنّ سعدًا لم ينطق بشيء.

      لما وصلوا المنزل وجدوا خالة سعد ( نوف ) وابنتيها ( فاطمه ) التي تدرس في جامعة الكويت - تخصص لغة عربية و ( شروق ) التي ما زالت في الثانوية وبالتحديد ( الثاني عشر علمي ) وهي مخطوبة لابن عمها منيف والصغير ( عبدالله ) الذي كان مزعجًا مشاكسًا كعادة الكثير من الأطفال.

      دخل الأب في مجلس الرجال، أمّا سعد فقد تنحنح قبل دخول صالة المنزل كي تدخل كُل منْ شروق وفاطمه إلى غرفة ريم وتبقى الخاله وطفلها المشاكس في الصالة ليسلم عليها.

      أسرع  ابن خالته المشاكس وقفز على سعد يقبّله ومن ثم بدر وسلّما على خالتهما، ثم حضرت أم سعد التي كانت في غرفتها تكتحل ورأت ابنها الغائب! فاندفعت إليه بقوّة شوقًا وحُبًّا، عانقته وهي تبكي وفي نفس الوقت تعاتبه على فعلته وهو فضل الصّمت على أنْ يوضح لها موقفه.

       سأل سعد أمه بعد أن جلسا:

" أين جدّي ؟ "

       تنهدت الأم ثم قالت:

   " جدك في المستشفى  "

      قال سعد ببرود:

   " أها ، ماذا به ؟ "

       شعرت الأم بذلك البرود، لكن لم تُعر ذلك اهتمامًا فقالت:

   " إنّه في غيبوبة ولا نعلم متى سيصحو "

       أحسّ سعد بارتياح شديد حيال سماعه لتلك الكلمات ولسان حاله يقول :

   " آه وأخيرًا سأستنشق أوكسجين الحرّية "

       كانت كلمات الأم بشرى بالنسبة إلى سعد ولاحظت ان وجهه قد ابتهج فشعرت بالاستياء حيال ذلك.

 قال لها بكلمات يجاملها فيها: " عافاه الله "

       ثم استأذن وذهب إلى غرفته ليغيّر ملابسه، وبعد دقائق خرج من الغرفة فتصادف مع خروج ابنة خالته فاطمه وهي ذاهبة إلى المطبخ، فراح ينظر لها نظرات إعجاب هادئة ..  وبحركة سريعة منها صدّت بوجهها حياءً ودخلت سريعًا.

       ظل سعد واقفًا يفكّر بها ويقول في نفسه:

   " يا إلهي ما هذا الجمال! منذ زمن طويل لم أرَها! أيعقل أنها فاطمه تلك الطفلة الشقيّة المهملة! ماذا دهاني حينما رأيتها؟ بدأ قلبي ينبض بسرعة وكأنني أول مرةٍ أشعر بنبضه ، أيعقل أنني أعجبت بها! لا لا .. لا أعتقد فأنا وهي تربينا مع بعضنا إنها جميلة بحقّ! لكن يجب ألا أفكّر بها أكثر فأنا أرفض الحب ، لا يهم..  حسنًا سأدخل موقع تويتر لأغرّد قليلًا قبل أن أنام "

        دخل سعد إلى موقع تويتر وحينما همّ بالكتابة شعر بإحساس غريب له طعم لذيذ كالعسل وبارد كنسيم الشتاء فجرًا، إحساس يقوده إلى الإعجاب بتلك الجميلة! لكنّه حاول مجاهدًا نفسه أن يُبعد ذلك الاحساس، ولسوء حظه باءت مجاهدته بالفشل، ولا جدوى من المدافعة فكلما حاول طرد تلك الأفكار، ارتسمت في مخيلته صورة فاطمه. فكتب تغريدة:

   " أيها المتابعون إنني لأول مرة أشعر بنبض قلبي، وكان ذلك النبض سببه رؤية ابنة خالتي التي تربينا مع بعضنا منذ الصغر وبعدما كبرنا افترقنا، وبالمصادفة رأيتها! فهل نبضاتي تعتبر مؤشرًا للإعجاب ؟ أم أنه شعور طبيعي كالخجل مثلًا ؟  "

      كان قد أرسلها على تغريدتين بسبب أن الموقع حدد لكل تغريدة مائة وأربعون حرفًا،  بعدما أرسلها تمنى أن يجيبه أحدهم " إن  ذلك شيءٌ طبيعي " حتى يستبعد فكرة الإعجاب بها ، ولكن من سوء حظّه أن الردود كانت عكس ما تمنّى، فكانت تغريدات متابعيه كلها تقول بأنه " إعجاب " فضاق صدره لذلك، فهو رغم أنه أُعجب بها إلّا أنّ قضية التربية تحت سقف واحد أيّام الصِغَر تجعله يستبعد فكرة أن تكون له زوجة مستقبلًا.

 اتصل سعد على صديقه رائد الذي يسكن في منطقة النهضة القريبة جدًّا من الفردوس

   فهو لديه خبرة في علم النّفس، فلما أجاب رائد على الهاتف قال سعد :

" رائد أريد أن أتحدث معك في موضوع أشغلني كثيرًا "

 " حسنًا قُل ما لديك "

   " لا ليس هنا، فالموضوع يحتاج إلى جلسة طويلة، ويكون أفضل لو تكون الجلسة على شاطئ  البحر "

   " حسنًا سآتيكَ الآن .. انتظرني دقائق "

      بعد ربع ساعة من الزّمن وصل رائد إلى منزل سعد، واتصل به كي يخرج إليه، وقبل أن يخرج استأذن سعد من أبيه الخروج للبحر، ثم خرج إلى رائد ، وفي الطريق كان سعد يفكّر بفاطمه

   وبلا شعور همس: " كم هي جميلة !! "

        نظر رائد إليه باستغراب : " من ؟ "

       انتبه سعد لنفسه فضحك بكبرياء :

   " لا تنشغل بي الآن لأنني بسببها أتصلت بك "

       فهم رائد مقصده وقال:

" حسنًا، لكن قُل لي أيّ شاطئٍ بالضبط تريدنا أن نذهب إليه ؟ "

   " اممم شاطئ الأبراج "

       وصلا وجلسا على الشاطئ ، بدأ سعد يحكي لرائد قصته مع فاطمه منذ الصغر حتى تلك اللحظة التي رآها فيها ولما انتهى صمت رائد وهو يفكّر بعمق ثم قال:

   " يا سعد بصراحه ما حصل لك هو أنّ قلبك بدأ يتعلّق بها حتى وإن رفض ذلك عقلك ، وكرهتها نفسك ، فالقلوب حينما تتعلق بشخص  فإن المشاعر ستتدفق إليه و......... "

       قاطعه سعد معارضًا:

   " لكن يا رائد أنا أعتبرها أختًا لي ولا أريد أن أفكّر أبدًا بالزواج منها !! "

   " يا عزيزي يا سعد صدقني أنت وقعت في بدايات حبّـ... "

    صرخ بغضب:

   " لا تكمل !  أنا أعرف نفسي جيّدًا ، إنني أبغض ذلك الشيء الساذج والذي تسمونه ( الحب ) فهذا ضعف وغباء ولا أعترف به، فلو كان حبًّا يا رائد لرأيتني هزيلًا ضعيفًا أقضي وقتي بالبكاء والحزن "

      سكت رائد قليلًا وأخذ يفكّر بحال سعد ، فهو يُدرك عناده وكبريائه وفهمه الخاطئ والسّطحي لبعض الأمور، لاسيما تلك التي تتعلق بالمشاعر، فآثر السكوت في تلك اللحظة حالما يهدأ غضب سعد خصوصًا أنّه للمرّة الأولى يشعر بنبض الحب في قلبه الحجري، وكذلك يدرك أن الحب الأول غالبًا يكون حب بدايته اعجاب بالمظاهر، ثم سيبحث - رائد - عن طريقة ما ليحل بها مشكلة سعد المُبتلى.







الفصل الخامس

       استأذن رائد من سعد ليذهب إلى دورة المياه القريبة من الشاطئ، وبعدما انتهى لفت انتباهه أحد الكراسي فجلس عليه ليفكّر وحده بطريقة ما لحل مشكلة سعد، قال في نفسه:

   " اممم كيف أقنعه بأنّه قد أُعجب بجمالها وأن هذا الإعجاب رُبما سيتطور إلى الحب إن استمر على التفكير بها؟ والمشكلة أن هذا النوع من الحب يجفُّ سريعًا ولا يدوم ،فلو اقترح عليه خطبتها دون توضيح لذلك الشعور لكان أفضل! أتمنى ان يقبل بها، سأحاول اقناعه بأن يتزوجها لأجل دينها وأخلاقها "

      قام رائد من ذلك الكرسي وذهب إلى سعد الذي كان مستلقيًا على ظهره يتأمل هدوء السماء، فجلس بجانبه وقال:

   " ما رأيك يا سعد أن تتقدم إلى ابنة خالتك ؟ فإنني وحسبما ذكرتَ لي فإني اعتقد أنها تصلح زوجة لك فهي ذات دين وحياء "

   " لست مستعدًّا للزواج ، كما أنّها تدرس في الجامعة "

   " حسنًا اخطبها الآن وبعدما تتخرج هي تكون أنت مستعد للزواج بإذن الله "

       نظر سعد نظرات حادة إلى رائد وقال:

   " لكن لماذا تريدني أنا بالذات أتزوجها؟ وأنا قلت لك بأنني لا أحبها لكنّ مشاعري تجاهها مشاعر أُخوية "

   " انا قلت لك ذلك لأنني أرى أنك تصلح لها وهي تصلح لك، فأنت شاب طموح متوقد لكل جديد وهي منضبطة متفائلة تشجع كل من تحبه ، فإن تزوجتها فستكون لك خير داعم ومحفز للنجاح "

       فكّر سعد بكلامه ثم تجهّم وقال:

   " لا .. لا يمكنني تخيلها شريكةً لي ، أرجوك يكفي، فأنا لا أحتمل التفكير بذلك "

 " حسنًا يا سعد، ما رأيك أن نذهب إلى مطعم ميس الغانم لنتناول طعام العشاء ؟ "

     قال سعد ممازحًا:

   " موافق لكن على حسابك الخاص "

    ضحك رائد وقال:

   " موافق "

     ثم قال في نفسه وهو ينظر إلى سعد الذي كان منشغلًا بنفض التّراب عن ملابسه:

   " صدّقني يا سعد .. سيأتي اليوم الذي تخبرني فيه بأنك قررت الزواج منها، فإني أجُسُّ نبض قلبك كلما تحدّثت عنها ، وملامح وجهك التي تدل على أنها ملكتكَ "

      ذهبا وتناولا العشاء ثم عادا وركبا السيارة، كان زحامًا كالعادة ، جاء لسعد اتصال على هاتفه ..رأى أنّ المتّصل هو والده فتعجّب قائلًا:

" أمرٌ غريب! ماذا يريدُ والدي رغم أنني أخبرته بذهابي معك للبحر؟ "

   " أجبه يا سعد ربما أراد شيئًا منك "

       ضغط سعد على الزر الأخضر: " أهلًا أبي "

   " هل ستذهب معنا لزيارة جدك ؟ "

       تغير وجه سعد وقد بدت عليه ملامح الاستياء:

   " أعتقد بأنني سأتأخر قليلًا لذلك لا تنتظروني "

   " هل ستلحقنا هناك ؟ "

       قال بلا مبالاة: " رُبما! "

   " حسنًا سنذهب وإن كان لديك وقت فتعال "

   " حسنًا "

   " إلى اللقاء "



 " إلى اللقاء "

  أغلق سعد الهاتف ثم تنهّد وتتأفّف ، قال له رائد:

   " ما بك ؟ "

   " لا شيء "

   " رُبما استطعت معالجة موضوعك، يبدو أنك مستاء من شيءٍ ما "

       رد بضجر: " قلت لك لا شيء، أرجوك لا تُكثر من إلحاحك !! "

       قال رائد محاولًا تهدئته:

   " حسنًا يا صديقي، هوّن عليك .. هوّن عليك، لم أُرِد أن أزعجك ! "

        سكت الإثنان، وظل سعد عبوس الوجه الوجه ثم اسند مرفقه الأيمن على باب السيارة وراح ينظر للسيّارات التي بجانبه، وفكره يدور بأمور أخرى أشغلته، لمح سيارة تقودها فتاة تشبه فاطمه فقال في نفسه:

   " يا إلهي أيعقل أن تكون هي؟ لكن فاطمه متنقبة ، كيف ذلك؟ "

       ثم قال كلمات سريعة أفزعت رائد لانه كان يفكّر أيضًا :

   " رائد أرجوك ألحق بتلك السيارة العنّابية !! "

        نظر رائد إلى السيارة : 

   " أتقصد تلك الجاكوار ؟ "

   " نعم أرجوك بسرعة أقترب منها "

         حين اقترب رائد ونظر من بداخل السيارة وجدها فتاة شابّة في غاية الجمال لكنه سريعًا كفّ بصره، وظل سعد يُحدّق النّظر محاولًا التعرّف عليها هل هي فاطمه أم لا !! فحاول رائد صد وجه سعد عنها لكنه يرفض ..

      انتبهت الفتاة لذلك فخافت وتقدمت بسيارتها سريعًا أمّا رائد فقد تعمّد إبطاء سرعة السيارة رغم إلحاح سعد باللحاق بها مرة أخرى ، لكن رائد أُجبِر على صفع خد سعد وقال بنبرة غضب:

   " هل جُننت يا سعد ؟ "

    سعد وضع يده على خده وهو ينظر إلى رائد مشدوهًا وبعد لحظة من الصمت قال:

   " أتصفعني يا رائد لأجل أنني طلبتك طلبًا كان لحاجةٍ في نفسي؟ "

       كظم رائد غيظه وقال بهدوء يصارع ضجّة مدوية في قلبه:

   " يا سعد كيف تطلب مني أن ألحق فتاة وأنا في حياتي لم أتجرأ لذلك ؟ لماذا تحرضني على الخطأ ؟ "

   " أقسم بالله أنني لم أقصد أن ترتكب ذنبًا ولكنها تشبهها ...... "

       ثم سكت، فقال رائد:

   " تقصد ابنة خالتك ؟ "

      أطرق رأسه بأسى : " أجل هي !! "

   " اها اعذرني اسأت الفهم يا عزيزي ولكن ليس من العقل أن نلحق بها هكذا ونثير الشبهات "

       سكت سعد قليلًا ثم قال :

   " تبًّا لهذا القلب! لا أدري لماذا ينشغل بها هكذا.. لا أدري لماذا شعرت بلذعة في قلبي حينما رأيت تلك الفتاة التي تشبهها !! شعور غريب لأول مرة يعتريني! سُحقًا !!! "

       لم يرُدَّ رائد عليه  بل اكتفى فقط بترك المجال لسعد أن يقول مافي قلبه لعل ذلك يخفف من همه ولو بالقليل.

       رجع سعد إلى المنزل وجلس على حاسوبه الشخصي يتنقل بين المواقع حتى وصل أهله إلى المنزل، ذهب الأب ليستطلع هل ابنه موجود أم لا !، فشعر سعد حين سمع إغلاق الباب أنه لابد من مجيء أبيه إليه فمثّل دور النائم فرآه أباه هكذا فاطفأ المصباح ومضى إلى غرفته، وحينما ذهب أباه حاول سعد أن يجلس لكن تمثيله نائمًا صار حقيقة فنام حتى الصباح.

      في الصباح جلس الجميع - ما عدا الأب - على المائدة لتناول الافطار وسعد شارد الذهن ، استنكرت الأم شروده قالت: " سعد ما بك شارد الذهن ؟ "

  " لا شيء يا أمي ،  فقط أفكر حيال أمرٍ ما "

      ثم أمسك الخبزة وهمّ بالأكل وقال:

   " لا عليكِ .. لا تكترثي فهو موضوع لا يستحق الخوف يا أمّي "

      وابتسم ابتسامة مصطنعة وبدأ يأكل، رغم كل ذلك لم تُصدّقه أمه.

       كان سعد يفكّر ، قطع حبل أفكاره قول ريم :

" أمّي أسمعتي بما حصل لفاطمه في الجامعة ؟ "

       لفتت كلماتها انتباه سعد فقال محاولًا إخفاء مشاعره:" ماذا حصل لها ؟ "

       تعجّب كل من كان موجودًا باهتمام سعد المفاجئ ، ثم أكملت ريم :

   " ذهبت فاطمه إلى دكتور مادة العصر الجاهلي في الجامعة تطلب منه المساعدة بأن يعطيها درجة ترفع من معدلها لكنه - وبخسّة نفس ودناءة فكر - طلب منها أغلى ما تملك ، كعادة بعض مرضى النفوس الذين لا يستحقون مسمى أكاديمي، فقالت له كلمات معبرةً عن رفضها الشّديد جعلته يغضب لكنها لم تكترث لذلك وخرجت من مكتبه "

      كان سعد حينما سمع تلك الكلمات غاضبًا جدًّا وقد بدا ذلك واضحًا في ملامح وجهه وهو قابضًا يديه بقوة ويزفر غيظًا، قالت أمّه وهي تنظر بشفقة:

" ماذا بك يا سعد ؟ "

   قال في شحوب : " لا شيء "

   ثم استأذن وقام من كرسيه قائًلا بغضب:

" ريم يجب أن تسألي فاطمه عن اسم ذلك القذر حالًا "

       قالت ريم بنبرة مضطربة : " لـ..لكن لـ .. لماذا ....؟ "

      زاد سعد من حدة نبرته فنظر إليْها وصاح قائلًا:

   " لا تكثري من الأسئلة، قلت لك اسئليها ثم ابلغيني ، أفهمتي ؟؟ "

   " حـ ... حـ ... حسنًا "

 " سأذهب الآن، واتصلي بي حالما تعرفين اسمه، انتظرك ، لا تتأخري "

      بعدما خرج، نظرت ريم إلى والدتها فقالت خائفة:

" أمّي ماذا دهاه ؟! "

   أومأ الأم بيده وقالت :

" لا عليكِ .. أتركي الأمرَ لي "

    مضى سعد إلى بيت صديقه بندر - الذي كانَ ذات يومٍ صاحب خبرة في الجرائم - كي يطلب مساعدته في هذه العملية، فلما جلسا في المجلس قال سعد بنبرات تفور بنار الانتقام:

   " بندر هل لك أن تساعدني في جريمة قتل ؟ "

      نظر بندر مشدوهًا :

   " سعد !!!! قتل !!!!!!! لماذا ؟!!!! "

   " نعم قتل "

      زاد ذهول بندر وأشار بسبّابته نحو سعد :

" سعد .... أنت ؟ أيُعقل ؟ "

       قال سعد محاولًا كظم غيظه :

 " أتريد أن تساعدني  أم لا ؟؟؟ "

   " سعد أنت شخص طيب ولم ترتكب جريمة من قبل ! لماذا فكّرت الآن بذلك فجأة "

       وقف سعد غاضبًا :

" أوووه .. قل لي .. تساعدني أم لا ؟؟؟ "

        قال بندر بهدوء :

 " حسنًا حسنًا .. لك ما أردتَ، والآن أستأذنك قليلًا ، فأمّي تتصل بي، يبدو أنّها تريدني في أمرٍ ما، سأذهب إليها في غرفتها .. لن أتأخّر !! "

 بعد أن ذهب بندر، همهم سعد قائلًا وهو يتذكر موقف الدكتور:

" سيكون عزاءك غدًا أيّها الخسيس النذل " .







الفصل السادس

       مرّ وقتٌ طويل وسعد ينتظر اتصالًا من ريم لكنّه شعر بأنّها تأخرت ، فأمسك هاتفه بغضب واتصل بها، فلما رأت ريم أنَّ المتّصل هو سعد خافت وأعطت الهاتف لأمّها وقالت بنبرة خائفة:

  " أرجوكِ يا أمّي أنا خائفة ولا يمكنني أن أُجيب على سعد، فهو يـريد أن يفعل شرًّا مع الدكتور "

       قالت أمّها بهدوء وبسطت كفّها:

   " أذكري الله يا ريم وأعطيني الهاتف لأردّ عليه، وسيكون كلّ شيءٍ على ما يرام إنْ شاء الله "

       شعرت ريم بالطمأنينة بكلمات أمّها، فذكرت الله وابتسمت ثم مدت الهاتف لها ، فأخذته الأم وضغطت على الزر الأخضر لتجيبه وقبل أن تتكلم صاح سعد غاضبًا :

   " لماذا أنتِ باردة الأعصاب ؟ أجلبتي لي رقمه أم لا ؟ "

      ابتسمت الأم وقالت بهدوء:

 " يا بني ماذا بك غاضبٌ هكذا ؟ "

      خفض سعد من حدة صوته وضبط نفسه ثم قال:

   " أمّي أرجوكِ أريد أن أُنهي موضوع هذا الدكتور سريعًا فأنا لم أحتمل هذا التّصرف الدنيئ "

   " يا بُني يا عزيزي اهدأ وأذكر ربك، فالأمور لا تُحلّ بهذه الطريقة العصبية "

   " ولكن يا أمّي ..... "

   قاطعته قائلةً:

 " أدرك حقيقة مشاعرك التي تحمل الغيرة على العرض والشرف ولكن أرجوك كُف عن التفكير بهذه الطريقة التي ستُدخلنا في متاهات ضيقة مظلمة "

      سكت سعد قليلًا وقبض يده اليمنى بقوة، ثم أغمض عينيه وقال:

" حسنًا يا أمّي .. لن أفعل شيئًا خطأً وإنّما فقط سأتفاهم معه بأسلوب آخر "

       ضحكت الأم بوقار ثم قالت:

" يا بُني أتظنّني غبيّة ؟ أرجوك يا عزيزي لا تفكّر كثيرًا في هذا الموضوع لأنّه انتهى "

       أطرق سعد برأسه وقال بأسى :

 " لكِ ما تريدين يا أُمي "

        ابتسمت الأمّ وقالت مشجعةً :

" أحسنت يا بُني .. هل ستأتِ لتناول الغداء ؟ "

   " لستُ جائعًا .. سأبقى مع صديقي حتى الليل وبعدها سآتي "

   " لكن عند العصر سنزور جدّك، ألا تأتي معنا ؟ "

   " رُبما سأغفو العصر حتى المغرب "

       ابتسمت أمّه والحزن يحرق قلبها على حاله ، ثم قالت معاتبةً:

   " يا لك من ولد عنيد وغريب الأطوار .. حسنًا كما يحلو لك .. خذ وقتك وانتبه لنفسك .. إلى اللقاء "

   " إلى اللقاء يا أمّي "

       أغلقت الأمّ الهاتف وظلت شاحبة الوجه شاردة .. فقالت ريم :

   " ماذا بك يا أمّي ؟ ماذا قال لك سعد ؟ "

    ظلّت الأم شاحبة ثم قالت ببرود :

 " لا شيء "

       قالت ريم بإلحاح :

  " أمّي وجهك قد تغيّرت ملامحه إلى الحزن، أقال لك شيئًا يدعو إلى ذلك ؟ "

   دمعت عيناها ومستحهما ثم قالت :

   " ريم أرجوك دعيني لوحدي .. فإنني أحتاج لأنْ أختلي مع أفكاري .. أريد أن أعيد حساباتي مع نفسي "

       صمتت ريم قليلًا ثم قالت:

" أمّي هل لي بسؤال .؟ "

  " تفضلي "

  " ألم تلاحظي أنّ سعد صار يهتمّ بفاطمه؟ فمنذ متى تُحرِّك مواقف فاطمه مشاعره وهو قبل ذلك كان إمّا أنه لا يهتم أو يعيب تربيتها وإهمالها من قبل والديها ؟ "

      نظرت الأم إلى ابنتها وفكرت قليلًا ثم قالت:

" نعم ... هذا ما يشغلني الآن "

 " ما رأيك أن نخطبها لسعد ؟ "

       ابتسمت الأم:

" سعد إنسان مهمل وطائش، سنظلم فاطمه إن خطبناها له "

 " لكن يا أمّي إن تزوّج فإنّه سيُصبح عاقلًا منتظمًا، فكما يقولون ( زوجوه يعقل ) "

       ضحكت الأمّ بسخرية :

 " هذه المقولة خدعت الكثير يا ريم، فبعض من يتزوج يزداد سوءًا ، وبعضهم يصبح بعد الزواج سيئًا وهو قبل ذلك لم يعرف للسّوء طريق، فالزواج يا بُنيّتي يُقاسُ بمدى الإيمان والرضا وصلاح الزوجين وقبولهما لبعضهما البعض ومعاونة بعضهما على التقوى والخير والمحبة وصرف النّظر عن الأخطاء إنْ اقتضت الحاجة ، وكذلك النصح والتوجيه والعتب أمّا الزواج بعينه فهو لا يؤدي إلى صلاح الفرد بل هو وسيلة لذلك إنْ كانَ قائمًا على أسس سليمة "

      أومأت ريم برأسها مقتنعةً بكلام والدتها وقالت:

" نعم صحيح يا أمّي "

  " حسنًا يا ريم قومي إلى المطبخ وأكملي إعداد الغداء قبل أن يأتِ أباكِ من العمل جائعًا "

  " حسنًا يا أمّي "

       انصرفت ريم وعادت الأمّ تفكّر بحال سعد فتمتمت قائلةً :

 " هداك الله يا بُني وشفى جدّك وغفر له .. فبسببه أصبحتَ هكذا، وكذلك أباك الذي أهملك منذ صِغرك ! "

      ثم نظرت للأعلى واردفت بنبرة رجاء وابتهال :

" أرجوك يا إلهي اهدهم وأصلحهم واشفِ أبا حمد "

       في تلك الأثناء كان بندر قد عاد إلى سعد في مجلس الرّجال وسمع كل شيء دار بين سعد ووالدته فوجده يثور ويزمجر غاضبًا فسأله :

 " كنتَ تتحدّثُ مع أمّك ، أليس كذلك ؟ "

       قال سعد مستغربًا :

" كيف عرفتَ ؟ "

 " سمعتُ ذلك من الباب الخلفي للمجلس "

 " امممم ... نعم كانت تحاول أن أرجِع عن فكرتي لكن أقسم بالله العظيم أنّني لن أتركه .. يجب أن يموت "

      قال بندر وهو يحاول أنْ يُهدّئه :

" يا صديقي تمالك نفسك واهدأ "

" كيف اهدأ يا بندر وهذا النجس يطلب من ابنة خالتي عرضها!! أتعتقدني فاقدًا للغيرة والشرف ؟ "

" حاشاك ولكن .. "

 رفع سعد بيده رافضًا:

" أرجوك من غير لكن، دعني أُكمل ما بدأت به فقط ، لم يتبقى سوى أن أعرف من هو ثم أقتله "

        سكت بندر وبعد دقيقة من التفكير في كلام سعد قال:

 " حسنًا .. قُل لي هو في أيّ جامعة يحاضر ؟ "

 " جامعة الكويت "

      حاول بندر أن يتذكّر أحدًا يدرس هناك في الجامعة لكن قاطعه سعد :

   " بماذا تفكّر يا صديقي ؟ "

   " أحاول أن أتذكّر أحدًا أعرفه يدرس بالجامعة "

      قال سعد بِعَجب :

" لِمَ ؟ "

" كيْ أسأله عن أسماء محاضري تلك المادة ! "

      ضحك بسخرية وقال :

 " وكيف ستعرفه من بينهم ؟ فهناك محاضرين كُثُر لهذه المادّة ! "

       قال بندر وهو واثق بنفسه :

 " دع الأمر لي "

   ابتسم سعد وقال:

" يا لك من مجرم خطير .. إنّني أثق بأفكارك الذكيّة "

       استأذن سعد بعد ذلك حينما شعر بارتياح شديد، وعاد إلى منزله منتظرًا إنهاء مهمته.

      ذهب بندر يسأل الطلبة الذين يعرفهم في تخصص اللغة العربية عن أسماء الذين يحاضرون مادة العصر الجاهلي، وسأل عمّن يُحرِّض الطالبات على الزنا مقابل النجاح ، وبعد تحرّيات كثيرة توصّل إليه وعلى الفور اتصل بسعد الذي كان جالسًا في غرفته يفكّر ويخطّط، فلما رأى أنّ المتصل بندر ، استبشر وأجابه فورًا:

 " هل عرفت اسمه ؟ "

   " نعم .. لكن تعال إلى بيتي الآن حتى أخبرك به "

   " لكن لماذا لا تقول لي الآن ؟ "

       قال بندر بصوت خافت :

 " قلتُ تعال وفقط "

       تنّهد سعد وقال:

" حسنًا ... إلى اللقاء "

        انطلق إلى منزل صديقه بندر وهناك قال سعد بحماس:

 " قل لي ماذا لديك ؟ لماذا طلبت منّي أنْ آتي إليك ؟ "

 " اصبر واهدأ يا سعد، أتيت بك كي أتفق معك على الخطة "

 " حسنًا لكن أرجوك استعجل ! "

 " أنا سأراقب لك المكان وحينما أعطيك الإشارة ادخل عليه ونفّذ جريمتك "

      قال سعد وهو يفكّر بكلام بندر :

" شيء جميل، ذلك سيجعلني أقوم بعملية القتل بكل ارتياح دون خوف "

    ثم أردف سعد بنبرة حماس أكبر:

" حسنًا يا صديقي موافق موافق موافق بالثّلاث .. آه نسيت ! ما هو اسمه ؟ "

 " صالح "

 " امم صالح !! اسم على غير مسمى "

      أخرج بندر من صندوق كان بجانبه سلاحًا ووضعه في يد سعد:

 "هذا كاتم الصّوت، ستقتله ولن يسمع أحد صوت الرّصاصة"

       شعر سعد برعدة تسري في جسده ، قال وهو ينظر للسّلاح بخوف :

 " أشعر بشيءٍ غريب يجتاح جسدي ! لأوّل مرةٍ أحمل سلاحًا، إنّه شعور مخيف حقًّا ! لكن يجب أنْ أُكمل ما تبقى "

       بعد ذلك اتفقا على تنفيذ الخطة لقتله بسلاح كاتم الصّوت وذلك في موعد صلاة الظّهر حيث يقل تواجد الطلبة في أروقة الجامعة، وكذلك فإنّ الدكتور يهمل صلاته في وقتها لذلك ستكون مهمة سعد سهلة التنفيذ.

        في اليوم التالي بدأوا بتنفيذ الخطّة ،ذهبا إلى الجامعة وهناك طرق سعد الباب على الدكتور فأمره بالدخول فلما دخل سعد أغلق الباب بهدوء ثم أشهر سلاحه في وجهه !! نظر الدكتور إلى سعد مصدومًا ثم نهض من كرسيه ببطئ وهو ما زال يفكر في حقيقة ما يحصل، حاول أن يعرف سبب ذلك وقبل أن ينطق بكلمة، قال سعد بغضب:

 " ولا كلمة أيّها القذر، سأثأر بحق ابنة خالتي لذا استعد للموت "

       استعد لإطلاق النّار، ولكن قبل أنْ يضغط الزناد داهمت قوة من الشرطة المكتب وطلبت من سعد الاستسلام، صُعق سعد! كيف علمت الشرطة بما يحصل!

وما إنْ شاهد صديقه بندر خلف رجال الشرطة واقفًا ينظر إليْه مبتسمًا حتّى أدرك
 أنّه هو من كان وراء ذلك.




الفصل السّابع

        تم تقييد سعد وأخذه إلى المخفر، واتصلوا على ذويه فأخبروهم بما حصل ، أُغشيّ على الأم! أمّا الأب فبدأ يندب حظه، وأخته كانت تبكي، أما بدر فاسترجع واستغفر ودعا لأخيه بالهداية والفرج، أمّا الجدّة فشعرت بالحزن الشديد وذهبت لتجلس في غرفتها وحيدة.

       انطلق حمد إلى المخفر وهناك أخبروه بتفاصيل الجريمة، ثم استأذن ليبحث عن محامين، وتم إدخال سعد إلى السجن.

      وبعد ثلاثة أيام من التحقيقات من قِبَل المباحث أخذوه إلى النيابة العامة وأمروا بحبسه في السجن المركزي عشرين يومًا.

       ومن ثُمَّ أخذوه إلى المحكمة وكان ينظر بأسى إلى الشارع وكيف يستمتع النّاس بحياتهم وبكل حريّة، كان يتمتم بكلمات تعبّر عن النّدم والحزن، وتمنّى لو أنّه أطاع والدته وكفى شرّه لكن هيهات.

       هناك في المحكمة حضر أهل سعد وأصدقاؤه وبعض أقربائه، وعرض القاضي عليه الأدلة ضده لكنّه لم يستطع أنْ ينكر، بل حتى المحامي الموكل لم يستطع أيضًا كسب القضيّة بسبب الأدلّة القويّة ضد سعد، لكن لدى سعد فقط أنْ يخبر القاضي بأنّ الدكتور كان قد حرّض ابنة خالته على الزّنا مقابل مساعدته لها فحاول الدكتور الإنكار، فطلب المحامي من القاضي تأجيل الجلسة إلى حين إحضار الدليل أو الشاهد على قول سعد فوافق القاضي الذي أنهى الجلسة حتى وقت آخر.

       وبعد فترة من الزّمن تم عقد جلسة محاكمة أخرى جاء فيها بالشهود وهم بضع طالبات لدى الدكتور فشهدن ضده، فحكم القاضي على الدكتور بالسجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.

 وبما أنّ قضيّة الدكتور مخلّة بالشّرف والأمانة وتحريض على الفسق فقد تم فصله من الجامعة من قبل الإدارة الجامعية، وتم الحكم على سعد بالسجن عشر سنوات بتهمة الشّروع بالقتل.

شعر أهل سعد ومن حضر لأجله بالأسى، أمّا فاطمة فهي أحست بنبض سعد حيالها لكنّها لم تبالِ بمشاعره فهي تهتم بدراستها قبل كلّ شيء لكنّها حزنت أيضًا لأنّها سبب هذه المشكلة.

   أمّا صديقه بندر ابتسم وقال في نفسه:

   " كم أنت مغفّل يا سعد! أرجوك اعذرني، فأنت يجب أنْ تنال عقابك، لعلّ ذلك يكون سببًا في أنْ يجعل منك رجلًا مسئولًا عن تصرفاتك "

      وبعدها أخذوهما إلى السجن المركزي  ووضعوا سعد في عنبر والدكتور في عنبرٍ آخر.
      هناك ظل سعد يتقلّب بين الحسرة والألم على ما فرّط من طيش وغدر صديقه به، وبعد شهر وبينما كانَ - قبيل منتصف الليل - غارقٌ في بحر اليأس إذ سمع صوتًا هادئًا بجانبه، وكان الذي بجانبه مسندًا ظهره على الحائط يقول:

   " لا تيأس ! فتقاسيم وجهك تدلّ على أنّك غارق في بحر اليأس .. بحره أسود اللون لا حياة فيه، مازال في الوقت متسّع، وإنْ كنتَ تعتقد نفسكَ معك الحقّ فتأكد أنَّ الله سبحانه معك وإنْ كنتَ قد ارتكبتَ جريمة فتُب إلى الله واطلب منه أنْ يعفو عنك كي ترتاح من عذاب الضّمير "

      نظر إليه سعد بذهول فهو لأوّل مرّة في حياته يجد شخصًا ينصحه بهذه الطريقة فانشرح صدره لنصيحته قال:

" وما هي قضيتك أيّها الشّاب الطّيّب ؟ "

       نظر إلى سعد وابتسم وقال بتأمّل ورضا قلب:

 " كنتُ غافلًا وكدتُ أقتلُ نفسًا ، لكنّ من حسنِ حظّه أنّ أبا المجني عليه جاء في الوقت المناسب وكان معه رجال الشّرطة فتمّ الحكم عليّ عشرة سنوات ولم يتبقّى لي سوى القليل، رُبما خمسُ سنوات! لكن الحمدلله على كل حال، لما دخلت هنا كنتُ أشعرُ بالحزن مع علمي بأنّ الخالق تبارك وتعالى لم يقدّر لي ذلك إلّا لمصلحة ، فكنتُ أبتسم حينما أتذكّرُ ذلك، ومع مرور الوقت تعرفتُ على سجين تاب إلى الله من ذنوبه فوعظّني ونصحني، فمنهُ، عرفتُ الله سبحانه أكثر فتبتُ ورجعتُ إليهِ، فكان لي هذا السّجن خيرةً عظيمة حقًّا "

       ابتسم سعد لكلامه الذي كان مؤنسًا له، شعر بأنّ هنا شخصًا يشعر بمعاناته، ثم نظر أمامه بشحوب واستغرق في التفكير، ثم قال وهو يحدّث نفسه:

 " يا إلهي ما هذه الثقة العظيمة بالخالق عزّ وجلّ والرضا بالقدر التي يمتلكهما هذا الشخص الطّيّب !! إنّني أجد نورًا يتوهجُ كالشّمسِ يضيئ وجهه، آه ياليتني كنتُ مثلك يا ... آه لم أسألهُ عن اسمه "

     ثم نظر إليه وقال:

   " بالمناسبة ما هو إسمك ؟ "

      نظر إلى سعد مبتسمًا وقال:

   " اسمي عثمان ، وأنت؟ "

   " تشرفت بمعرفتك يا عثمان كثيرًا .. اسمي سعد "

   " وأنا أكثر يا سعد "

       ساد الصمت قليلًا ثم قال عثمان:

   " سأُسدي إليْك نصيحةً يا سعد، عليك بقيام الليل والاستغفار والدعاء واجعلهم من أساسيات حياتك، فبدونهم ستكون الحياة صعبة جدًّا عليك ، فنحن البشر طاقاتنا المحدودة ربما في يوم ما تكون عائقًا عن التقدم بسبب الظروف، لكن لو تسلّحنا بما ذكرت لك فإنّها بإذن المولى ستكسر كل الحواجز والعوائق وبالتّالي لنْ تفكّر أبدًا في أنّ الحياة صعبة ومملة وإنّما ستجد المتعة والسعادة والقوة "

        ارتسمت على وجه سعد علامات الإعجاب بتلك الكلمات ، بل بتلك الدّرر المتلألأة بالفوائد، فقال :

   " كلامٌ رائع يا عثمان .. أرجوك أكمل إن كان يوجد من الحديث بقيّة "

       وقبل أنْ يُكمل حديثه جاء شرطيّ وأخبرَ سعد أنّ أخاه بدر ينتظره في قاعة الزيارة، ذهب إليه وسلّم عليه واطمئنّ لأجله ثم رجع إلى زنزانته وأكمل حديثه الممتع مع عثمان.

       وبعد ذلك الحديث استلقى سعد على فراشه واضعًا قدمه اليمنى فوق اليسرى وكفّيه خلف رأسه وراح يسبح في تفكيره فيما فعل وبعد ذلك بدأت مرحلة محاسبة النّفس والندم والتوبة.

      وبعد مرور أقلّ من شهر، وحين كان أخاه بدر في زيارة له همس سعد له قائلًا :

   " بدر أرجوك أسدِ لي خدمة ! "

   " حسنًا .. ما هي ؟ "

  " أرجوك أريد منكَ أن تتحرى عن بندر .. فأنا أشكُّ بأنّه مخبر لدى الشرطة ! لستُ متأكّدًا لكنّها شكوك "

   " حسنًا .. سأتحرّى الأمر وبإذن الله خلال أسبوع سآتيك بالخبر الأكيد "

       وفعلًا خلال أسبوع جاءه الخبر الأكيد بأنّ بندر يعمل مخبرًا لدى الشرطة فهزّ سعد رأسه مفكّرًا وقال :

 " هممم توقعتُ ذلك ! شكرًا يا صديقي العزيز "

   " ولو! حسنًا استأذنك الآن فلديّ أعمالٌ كثيرة "

   " حسنًا وأبلغ سلامي إلى جميع الأهل والأصدقاء "

   " إن شاءالله سأوصل لهم سلامك .. إلى اللقاء "

   " إلى اللقاء "

      بعد ذلك بأيّام زاره والده في السجن يطمئنُّ عليه فقال له والده بإهتمام :

" يا بنيَّ أعلم أنّك نادم على ما فعلت، صدقني وأنا كذلك نادم على ذلك أيضًا لأنني أهملتكَ كثيرًا ولم أراعِ مشاعرك كشاب قد كبُر وصار حرًّا في رأيه لكن مع ذلك يجب عليّ أنْ أوجهكَ وأرشدك وأنصحك إنْ رأيتُ فيكَ إعوجاجًا، أعذرني يا بُنيّ وبإذن الله حينَما تخرُج سنعيش حياةً أفضَلَ وستكون كل توجيهاتي ونصائحي بأسلوب هادئ ومنطقي حتى نكون متفاهمين "

      كانَ سعد مطرقًا رأسه منذ بداية كلام والده، وبعدما انتهى أباه، قال بنبرة تحمل الأسى والنّدم:

" بإذن الله يا أبي، ستراني قد تغيّرت وصرتُ شخصًا أفضل، إنّ في هذا السّجن وجدتُ فيه مالم أجدهُ خارجًا ! وجدتُ صديقًا قد هداه الله للإستقامة ونصحني بطريقة مهذبة جميله جعلني أتوق كل يوم إلى سماع أحاديثه المشّوقة إلى حبّ الله وطريقه القويم "

      ثم بكى وحاول أباه يهدئه، ثم أردف سعد بعدما مسح دموعه :

" حسنًا يا أبي، أرجوك أعذرني على ما بدر منّي من أخطاء وزلّات، فنحن مجبولون على الخطيئة والزلّة، وأنت مهما كنتَ فستبقى أبي الذي يخاف عليّ، لم أُدركَ حينها أنّك بقسوتك تعبّر عن خوفك عليّ، تبًّا لعقولنا التي تتفهم كل شيء وفق ما تريد ! "

      تنّهد أباه ثم قال:

" لا عليك يا بُني .. أعذرك وأتفهم وضعك ومشاعرك .. حسنًا أظنّ أنّ وقت الزيارة قد انتهى لذا سأذهب الآن وإنْ شاءالله سنلتقي قريبًا .. انتبه لنفسك ،، وداعًا يا عزيزي "

" وأنت أيضًا .. وداعًا "

      بعد ثلاث سنوات من تلك الحادثة كان حمد وابنته ريم عند الجد في المستشفى جالسان، فريم ترتل القرآن بصوت عذب عند رأس جدّها، والأب حمد يدعو لأبيه - الجدّ - بأنْ يشفيه الله سبحانه من هذا المرض، وبعد لحظات حرّك الجدّ يده اليمنى حركات بطيئة وبدأ يتمتم قائلًا:

   "ســ...ــعــ...ــد  "

       استبشر كلٌّ منَ حمد وابنته ريم فصاحت ريم فرحًا :

   " ياااي جدّي! لقد استفاق يا أبي .. الحمدلله "

      ابتسم حمد ومسح جبين أبيه وأسرع للطبيب المختص وأتى به ، كان وجه الطبيب تتبين عليه ملامح الصدمة من هول ما سمع.

       بدأ بفحصه فصعق بأنّ الجدّ بدأ يستردّ وعيه من جديد بل سيستعيد صحته قريبًا فطرح سؤالًا لطالما تمنّى أن يعرف تفسيره:

   " كيف حصل ذلك ؟؟ "

       قال حمد واثقًا وأشار بسبابته نحو السّماء:

   " إنّها قدرة الخالق عزّ وجلّ، فهو من وضع هذا المرض في أبي وهو أيضًا من يمكنه رفع المرض منه لذلك كان اعتمادنا عليه كبيرٌ جدًّا، أحسنّا الظن به وصبرنا وتفائلنا ثم كانت هذه النتيجة التي رأيتها بنفسك، وكذلك الصدقة التي لها أثر عظيم في الشفاء مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم ( داووا مرضاكم بالصدقة )  "

       نزع الطبيب نظارته ومسح عرق جبينه وقال :

   " أحيانًا من هول الصدمة قد لا نستوعب الحقائق لكننا يجب أنْ نصدّقها لطالما هي واضحة جليّة أمامنا بالأدلّة ...فهذا هو ما حصل ، سبحانك يا الله، ليتنا نحن الأطبّاء جميعًا نخبر المريض أولًا بأنْ يلجأ إلى خالقه ويعتمد عليه ويُحسنُ الظنّ به، ثم نبذل نحن الأسباب فقط، وأنْ نبتعد عن المقولة الخاطئة التي تقول بأنّك يا أيّها المريض ستموت خلال كذا وكذا وكأنّنا نحن من يحدّد وقت وفاته "

       شعر الطبيب بعد كلماته برعشة في جسده وأردف بصوت خاشع:

   " يا إلهي ما أعظمك ! "

       بعد ذلك طلب منهم الاستمرار في هذا العلاج الفعّال مع استخدام الدّواء، فاستمرّا على الدّعاء والقرآءة بضعة أيّامٍ حتّى استفاق جيّدًا من غيبوبته ، فرح جميع من كان في زيارته فرحًا شديدًا ونقلوه إلى غرفة الملاحظة ثم إلى الجناح وتأكد الأطبّاء من أنّه سليم فخرج من المستشفى وأخذه ابنه حمد إلى البيت فاستقبلوه بحرارة وسعادة وأخفوا عنه خبر سعد.

       دخل الجدّ وسأل عن سعد فقالوا له بأنّه قد سافر لأجل عمل ما في الخارج فلم يصدقهم بسبب شكوكه في حزن أم سعد حينما طرح السؤال.

مرّت الأيّام والأسابيع ولم يسمع صوت سعد، وكلّما طلب منهم الاتّصال به يبرّرون رفضهم بأعذار واهية، فكذّبهم وطلب منهم قول الحقيقة ، لكنّهم حاولوا إقناعه بأنّه مسافر وأغلب وقته مشغول ولم يصدّق أيضًا.

      في صباح اليوم التّالي كان حمد وزوجته وريم وبدر والجدة يجلسون على المائدة ينتظرون الجدّ فقالت ريم:

   " أبي أريد أنْ أذهب معكم لزيارة سعد اليوم "

      قالت تلك الكلمات في وقت كان الجدّ قد نزل من غرفته وقريبًا منهم، فسمعها وقال وهو يحدّق النّظر إليهم مصدومًا:

   " زيارة سعد ؟ ألم تقولوا لي بأنّه مسافر؟ لماذا كذبتم عليّ؟ وأنت أيّها الابن الكبير، ألا تخجل من نفسك بكذبك على أبيك ؟ هل هو في   المشفى أم في مكان آخر؟ قُل الحقيقة !! "

      أطرق الجميع رؤوسهم ولم ينطقوا بكلمة .. تقدم الجدّ خطوات بطيئة مستعينًا بعصاه حتّى وصل عند المائدة وقال لابنه حمد:

   " هيّا قُم الآن وخذني إلى سعد، أُريد أراه أينما كان ! "

      قال حمد بصوت خفيض:

   " حاضر يا أبي "

       قبل أنْ يقوم حمد نظر إلى ريم وكأنّه يتوعدها بالعقاب إنْ حصل للجدّ أيّ مكروه ، فخفضت رأسها سريعًا من الخوف.

       انطلق حمد بالسّيارة إلى السّجن المركزي فهزّ الجدّ رأسه حينما دخلوا عبر بوابة السجن الخارجيّة وقال :

" أممم السّجن !! إنّا لله وإنّا إليه راجعون، توقعتُ ذلك "

      دخلا إلى السّجن وطلبا زيارة سعد، وبعد الإجرءات المتّبعة سمحا لهما بالدخول وانتظرا سعد في قاعة الزيارة حالما يأتي إليهما، فلما أتى ورأى جدَّه تغيّرت ملامحه فاستبشر وابتسم ثم سقطت دمعة من عينه فرحًا وصاح :

   " جــــدّي .. كم أنا سعيدٌ لرؤيتكَ معافى "

        تبادلا الحديث والأشواق حتّى اطمأنّ الجدّ عليه، ولم يسأله عن قضيته من لهفة الحنين وإنّما اكتفى بمعرفة أخباره، وقبل أنْ يستأذن الجدّ طلب سعد منه بأنْ يعفو عنه عما حصل وأنّه سيخرج سعد آخر.

       انتهت الزّيارة وعادا إلى المنزل، وهناك في المجلس طلب الجدّ من ابنه حمد أنْ يحكي له ما حصل فحكى له كلّ شيء .. تفهّم الجدّ شعور سعد ثم تذكّر أنّ لديه مالًا كثيرًا في صندوق متوسط الحجم في دولاب ملابسه، فقام وذهب إلى غرفته وفتح الصندوق فوجد مبلغ (خمسة آلاف دينار)، فهمس لنفسه :

   " آمل أنْ يكون هذا المبلغ كافيًا لارضاء المجني عليه ليتنازل عن القضية ! "

       وفي صباح اليوم التّالي طلب الجدّ من ابنه حمد أنْ يأخذه بأيّة وسيلة لبيت الدكتور تعجّب الابن من هذا الأمر ، لكنّ الجدّ أمره أنْ يسرع حالًا وبلا تأخير.

      اتصل حمد بصديق له يعرف دكتورًا يحاضر في الجامعه ليجلب له عنوان منزل الدكتو عندما أعطاه شكره ثم أخذ أباه - الجدّ -  إليه منزله.
   
     ولما وصلا طرق حمد الباب فخرج ابن الدكتور، وطلب حمد منه أن ينادي أباه، فاسستجاب الابن وطلب منهما الانتظار ريثما يخبره بشأن ذلك.

    بعد دقيقة خرج الابن وطلب منهما الدخول إلى الطابق السفلي حيث مجلس الرّجال، فلما نزلا ودخلا المجلس وجدا الدكتور يقرأ القرآن فلما رآهما وضع المصحف في مكانه ثم وقف ورحّب بهما قائلًا :

   " أهلًا بكما .. تفضّلا بالجلوس "

 مدّ الدكتور يده على الهاتف ليطلب من الخادم أن يجلب لهما كوبان من القهوة لكنّ الجدّ أومأ رافضًا، وشكره على حسن الضّيافه، ثم عرّفه عن نفسه وأخبره بأنّه جدّ سعد وأنّه أتى لأجل التنازل مقابل مايريد من المال، فمدّ الجدّ يده للدكتور ليعطيه المبلغ ، لكنّ الدكتور ابتسم وردّ يده ثم قال :

   " أتدري يا أبا حمد أنّ حفيدك سعد كان سببًا في تغيير حياتي للأفضل ؟ لقد أعطاني درسًا لنْ أنساه! وكان تحذيرًا بالنسبة لي، ولو متُّ قبل  ذلك الوقت لكنتُ الآن تحت الأرض أُعذّب ! لكن بسبب حفيدك عدِلت عن أمور كثيرة في حياتي فإنّني أشكر الله سبحانه ثم أشكره على ما فعله ، رغم أنّ في ظاهر ما حصل شرّ لكنّ في باطن ذلك خيرٌ عظيم، صحيح أنني فرحت عندما حكم القاضي عليه بالسّجن وحزنت في نفس الوقت بطردي من الجامعة وسجني لكنّني بعد ذلك حينما انتهت فترة الحكم ورجعت إلى منزلي بدأتُ أفكّرُ في حالي وما فرطّت ثم عقدت العزم على التوبة والتغيير للأفضل، لذلك فله عليّ فضل كبير جزاه الله كل خير "

      سكت قليلًا ثم أخذ نفسًا عميقًا وأردف :

   " لكن يا أيّها الرّجل الموقّر لأجل أنّك أتيتني هنا في منزلي وطلبت منّي ذلك فسأتنازل عنه مقابل لا شيء ... أعتقد أنّ تلك السنوات التي قضاها خلف القضبان كفيلةٌ في تغييره للأفضل "

       استبشر الجدّ وابنه حمد بذلك وشكرا الدكتور شكرًا حارًا.

     بعد ذلك تنازل الدكتور وقام القاضي بإسقاط حق المجني عليه وبقي الحق العام الذي جعل مدة بقائه في السجن لمدة سنة.

    وبعدما انقضت تلك المدة تم إخراج سعد وودّع صديقه الجديد، فقال عثمان مبتسمًا:

   " ألم أقُل لك يا سعد أنّ من أحسنَ الظنّ وصبر وتفاءل وعمل - قدر استطاعته - نال جزاءه ؟ سنلتقي خارج السّجن قريبًا بإذن الله "

      قال سعد والابتسامة تشرق في وجهه:

 " لن أنسى معروفك، وسأنتظرك على أحرّ من الجمر ... في أمان الله "






الفصل الأخير

        خرج سعد من السّجن وكان ينتظره جده وأباه، فانطلق نحو الجدّ واحتضنه بشوق وبكى سعد طالبًا إيًّاهُ الصفح والعفو ثم احتضن أباه وقبّله وانطلقوا إلى المنزل.
      هناك كان دخول سعد للمنزل مفاجأة جميله لأمه وجدّته وأخته واخاه بدرًا ، فهم كانوا على علم بخروجه لكنهم لم يعلموا في أيّ ساعة سيخرج ، سعِدوا كثيرًا واحتضنوه وقبّلوه وبكت الأمّ فرحًا وكذلك الجدّة.

      بعد أيّام أمر الجدّ أنْ يخطبوا له فاطمه ابنة خالته ، فوافقوا وتمّت خطبتها لأنّها شعرت بأنّه فعلًا تغيّر.

      بعد سنة انقضت فترة حكم عثمان وخرج من السجن، علم سعد بذلك فانطلق لعنوان منزله الذي أعطاه إيّاه عندما كانا في السّجن.

 طرق الباب وخرج عثمان مبتسمًا مُرحِّبًا به وتعانقا، ثم طلب منه أنْ يحضر حفل زفافه بعد شهرين فوافق .

وعندما رجع إلى منزله استوقفه هناك شاب يقف أمام المنزل فحدّق النّظر إليه وبعد لحظات اكتشف أنّه بندر الذي كان سببًا في إدخاله السجن.

في البداية شعر بأنّ له فضلًا بسبب أنّ السجن غيّر حيّاته لكن مع ذلك شعر بإستياء حياله، فلما رآه بندر ألاح بيده مرحبًا به لكنّ سعد كان متجهّمًا ثم ركن السيارة ونزل منها وقال:

   " أهلًا بالخائن ... ماذا تريد منّي ؟ "

       ابتسم بندر ساخرًا:

   " خائن؟ بل يجب أنْ تشكرني على هذا المعروف يا صديقي "

      رفع سعد حاجبًا وأرخى حاجبًا وفكّر بكلماته الغريبة ثم قال:

   " أتسخر منّي؟ حكم علي بالسجن بسببك ! وبكى والداي بسببك أيضًا وأُغشي على أمّي بسببك، وجدتي لم تنم الليل بسببك ! وتقول لي بأنّه معروف ؟ أرجوك لا وقت لديّ أضيعه مع تافهٍ مثلك "

       ومضى إلى باب المنزل متجاهلًا إيّاه، فصاح بندر قائلًا بنبرة جادّة:

   " ولماذا تنظر إلى الأمور على ظاهرها ؟ ألم تعتقد أنّ السجن قد خلّصكَ من تهورك ؟ إنّني أردت أنْ أعلّمكَ درسًا كي تتجنب الطيش "

      توقّف سعد ثم نظر إليه وقال:

   " ولماذا أبلغتَ الشُّرطةَ ؟ ألم يكنْ من الأفضلِ أن تدخلَ أنت وتمنعني أو تفعل أيّ شيء آخر سوى إبلاغهم ! "

      ابتسم بندر وقال :

" يا عزيزي .. أريد أنْ أخْبركَ بشرّ عنّي لطالما أنّ الموقف قد تطوّر كثيرًا ويحتاج لتوضيح ... "

قاطعه سعد وهو يرمقه بنظرة حادة وصوت خفيف:

" أتريدُ أنْ تُخبرني بأنّك مُخبر لدى الشرطة .. صح ؟ "

نظر بندر إليهِ مذهولًا وقال :

" كيف عرفت ؟ "

ابتسم سعد وقال واثقًا :

" لديّ مصادري الخاصه ! عمومًا يا بندر .. الآن إنسى ما حصل لطالما أنّ كل شيء انتهى في قضيّتي، وها أنا قد خرجتُ من السجن – بفضل الله سبحانه – إنسانًا آخر، وأنا أدعوك إلى زواجي بعد شهرين "

   " بإذن الله سآتي "

ثم أخذ بندر نفسًا عميقًا وأردف قائلًا :

" أعتقد أنّي قد أطلتُ عليك وأشغلتكَ، لذلك يا سعد قبل أنْ أذهب أريد أن أوضّح لك الحقيقة وهي أنّ ذلك السّلاح كان فارغًا لئلّا ترتكب جريمة فتدمّر سمعة أهلك وتضيّع كل شيء بسبب طيشك، لا أريد الضرر لك ..صدقني .. لأنّني لو أعطيتك سلاحًا محشوًا بالرّصاص وقتلته ربما تم الحكم عليك بالإعدام ، أو قتلك أبناء الدكتور أو أقرباؤه أو أصدقاؤه عندما تخرجُ - إنْ لم يتم إعدامك - لذلك أرجوك تفهّم الموقف !! والآن استأذنك يا صديقي العزيز ... في أمان الرّحمن "

" شكرًا لك على كلّ حال .. والحمدلله على كلّ حال، في أمان الكريم "

       وفي يوم زواج سعد حضر لفيف من الأهل والأصدقاء .. وكان من بين الحضور: بندر، ورائد، وعادل، ومُحمّد، وهمس رائد في أذن سعد:

" حدسي صدق فيك .. فقد كنت أتوقع أنّك ستدعوني لزواجك من تلك الفتاة التي كنت ترفضها حينما كنا على شاطئ الأبراج "

ضحك سعد وقال :

" هي أيّام طيش يا رائد، والآن استمتع بوقتك "

  |.. كانت المُناسبة ليست مجرّد فرحة .. بل أفراح .. فرحةٌ بتوبة سعد .. وفرحةٌ بخروجه من السّجن .. وفرحة زواجه ..|



وختامًا:

[ لكلّ عقل مبدع لحظات تألّق ..
وكلّ عثرة لا تتذمّر بها فهي تعلّمك لأنْ تُخطئ أقل ..
وعندما تشعر بالأسى اعتبر ذلك نعمة
لأنّ هناك ما بعد الكارثة :
" ورودٌ تنبت من بين الرّمادِ " ]

                                                                      كين هيوجز


( تمّت )










قرآءة ممتعة :)

أخوكم !

هناك 18 تعليقًا:

  1. جميل جداً لو ودي كان قريتها كل يوم واندمجت معها واستفدت

    ردحذف
    الردود
    1. والله يشرفني أنّك تقرأها حد الملل :-#

      تسلملي .. وفخر لي :)

      حذف
  2. الرواية جممييله جداا

    ردحذف
  3. رائعة بحق، تبث في النفس الأمل و التفاؤل و التقة بالله سبحانه
    صياغة جميلة و محتوى أجملللللللللل
    أبدعت بارك الله فيك و جزاك الجنان
    شكرآآ لك، استمررر ننتظر مزيدك :))

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدتني جدًّا كلماتك المميزة ..
      لا حرمت تواجدك أبدًا :)

      حذف
  4. رائعة جداً يا مقروط والله انك مبدع استمر موفق باذن الله

    ردحذف
    الردود
    1. مرورك الأروع ...
      ربي يخلييييييييييك :)))

      حذف
  5. تحمست جداً لقراءتها ،
    موقنه بأنها رائعه طالما كاتيها مبدع كأنت ..
    يوفقك الله لما يحب ويرضى ..
    نون!

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدني مرورج آنسة نون ورايج ..
      ربي يوفقج تسلمين لي :)

      حذف
  6. روايه جميله. تنسج من نور التفاؤل بالقلوب الطمٲنينه. ومغزى نبيل لكاتب بارع/ٲرجو فقط التنوع والتشويق في الكتابه وٲستخدام اساليبب مختلفه ومتنوعه بالطرح ودعواتي لك بالتوفيق#جيجي

    ردحذف
    الردود
    1. اضاف وجودك جمالًا ل روايتي ...
      ممتنٌّ على هذا الحضور الأنيق

      حذف
  7. رروووعه رروووعه ماشاءالله علييگ

    ردحذف
  8. راوية تحتاج الى أعادة الصياغه بالكلمات رواية جيدة كمبتدى!!
    تقبل مروري

    ردحذف
  9. رائعة جدًا جدًا.. وجميلة.. يوجد الكثير من الفوائد.. تابع باركَ الله فيكَ وأسعدكَ في الدنيا والآخرة ..موفق بإذن الله.

    ردحذف
    الردود
    1. تسلمين اختي رنا
      أسعدتيني برايج صراحة
      وعسى ربي يوفقج
      ممتن :)

      حذف

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )