الاثنين، يونيو 30، 2014

(( .. رواية: قبضة الهَلاك .. ))



بسم الله الرحمن الرحيم








الفصل الأول


خادمة ثقيلة طينة




         نادى مشعل على أخته الصغيرة حور، العنيدة، والمزاجيّة، وكانت تعشق القطط عشقًا جمًا. جاءت إليه ممسكةً بقطتها الشيرازية بين يديها، فقالت وهي تداعب فرو القط الأبيض:

-
هلا مشعل .. شعندك تنادي؟
-
ماكو بس ترى الحين بروح اجيب الخدامة الجديدة ؟

      تركت حور قطّتها تسقط على الارض، بلا شعور، وقالت بفرح شديد:
-
امبيه صج؟ ياااااااي خدامه وناسة. يعني من اليوم ماراح اشتغل ولا راح اطبخ؟

      أومأ مشعل بسبابته نافيًا:
-
من قال؟ انتي عليج الطبخ بس ! أما الخدامة فعليها باجي شغل البيت.

     احست أخته بالاحباط، وردت:
-
اففف خلاص .. بطبخ.

      ثم حملت قطتها ومضت إلى المطبخ لتعد طعام الغداء.

      خرج مشعل إلى سيارته، ففتح بابها، وجلس على مقعده، وشغّل محرّكها، ثم فتح هاتفه على برنامج تويتر، وبدأ يغرد، ويكذب على المغردين كعادته بمغامرات واهية، ونصائح هو لا يعمل بها أبدًا. وبقي هكذا حتى رأى أنّ مؤشر حرارة السيارة قد وصل إلى حدّه الطبيعي، ثم انطلق إلى مكتب الخدم.

***


كانت حور تطبخ وهي تتذمّر من أخيها الذي لم يعفها من مهمّة الطبخ، فغضبت، وفكّرت بطريقة تجعله يكره طبخها. وبعد برهة، وجدت حيلة لذلك، فابتسمت بدهاء ومكر، وواصلت الطهو، وهي تقول:
-
هيّن يا مشيعل إن ما خليتك تجيب طبّاخة !!! ما أطلع أنا حور.

***


        وصل مشعل إلى مكتب الخدم، وكان هناكَ مجموعة كبيرة منهم، فألقى عليهم نظرة، وحدّث نفسه بضجر:
-
يع ! ولا خدامة حلوه!!! شكله صاحبنا خدعني لما قال بجيب لك ملكة جمال.

        ثم دخل على مكتب المدير، فوجده جالسًا يدخن سيجارته، ومنهمكًا في قرآءة إحدى الصحف. فطرق الباب بهدوء لكن المدير لم ينتبه له. فطرق مرة اخرى، وكانت النتيجة نفسها! فلم يتمالك مشعل صبره، فطرق الباب بقوة.


      رمقه المدير بنظرة غضب حاده، وسأله ملوحًا بيده:
-
شعندك تطق الباب جذي؟ تراك خرعتني يا معود !!!!
-
وانا شدراني عنك يا عبدالرحمن!! صارلي ساعه اطق الباب وما تسمع. بالله عليك شنو هالخبر اللي شادك لهالدرجه؟

     أغلق مدير المكتب الصحيفة، ووضع نظارته الطبية، بحجم خمسين بوصة، على الطاولة، ورد عليه:
-
هدي بالك أخو قلبي، وتعال اقعد على هالكرسي.

     سار مشعل نحو الكرسي، ولما جلس .. قال للمدير:
-
انزين قولي .. شصار على خدامتي؟
-
خدامتك موجوده بس راحت تتشرى من مجمع الافنيوز.

      رد مشعل بذهول:
-
انت من صجك؟ شلون تسمح لها تروح هناك؟ أول مره اشوف مدير مكتب يهمل الخدم !!!

     رد عبدالرحمن بانضباط:
-
لا يا مشعل! بس لازم نراعي الخدم شوي! لا تصير عاد قاسي.
-
ياخي والله ما اقصد قسوة بس لازم في حدود! هذي باجر راح تتمادى علي وتكثر طلبات.

       قام مشعل من مكانه، ثم واصل كلامه، وهو يهم بالخروج:
-
انا بمشي، وخل هالخدامه لك! في أمان الله.

       قام عبدالرحمن من مكتبه، ولحق به، فأمسكه، وقال له:
-
شدعوه مشعل شفيك ! اوعدك انها ماراح تطمع ! بس صدقني هذا تعاملي مع الخدم عندي بمكتبي.

      تأمل مشعل كلمات المدير، ثم زفر، ورد:
-
خلاص حصل خير. متى اجي اخذها؟
-
لما ترجع من المجمع.
-
ومتى بترجع؟

نظر عبدالرحمن إلى ساعته التقليد، التي اشتراها من كشك يبيع ساعات مقلدة بارخص الاثمان، وأجابه:
-
بترجع بعد ربع ساعه بالضبط.

     نظر مشعل إلى ساعة عبدالرحمن، فوجدها معطّلة، فضحك، وقال:
-
يخرب بيتك ! تقليد وخربانه! وتسوي نفسك ان ساعتك صالحه. عمومًا بروح انطرها بالسيارة، وبدخل تويتر بكتب جم تغريده لين ترجع هالخدامة. إلا صج تعال ... هي حلوه؟

    غمز عبدالرحمن له بعينه اليمنى، وأجابه بصوت خافت:
-
ملكة .. ملكة .. ملكة.

       ارتسم قلبان أحمران في عينيْ مشعل، ورد بحماس:
-
واااااااااااااااااااااااااااو من قدي .. راح أعيش ملك.

       ثم خرج من المكتب، وصعد سيارته، فاخرج هاتفه الايفون، وراح يغرد عن الخدم، ومن ضمن تغريداته:
"
الخدم هم ضيوف، فأرفقوا بأحوالهم يا سادة "
"
الخدم لهم مشاعر وأحاسيس، فينبغي على كل عاقل أنْ يعاملهم كأخوته "

      وإلى ما ذلك من تغريدات (مهايطجيه) في حق الخدم. فحازت تغريداته على إعجاب الكثير من المغردين، ونالت أكثر من خمسمائة إعادة وتفضيل. فرد بعض المغردين:
"
ياخي انت إنسان فريد من نوعك، وياليت مثلك عشرة بهالزمن "

     وعلقت فتاة على تغريداته:
"
يا حلوك .. أنت كيووووت .. ياليتك أخوي "

      ومشعل يبتسم، ويتفاخر بتغريداته.


وقتذاك، جاءت سيارة من نوع جيب لكزس 2014، برتقاليّة اللون، تقودها فتاة في منتصف العشرينات من العمر، ترتدي بدلة سوداء، ونظارة ريبان عدساتها ورديّة، وشعرها أسود طويل يسقط على كتفيْها. وقفت بسيارتها بالقرب من المكتب، وحين لمحت مشعل في سيارته، بدت على شفتيها ابتسامة، ثم أخرجت هاتفها الجالكسي، والتقطت له صورة.


وبعد مدة من الوقت .. سمع مشعل أحدهم يطرُق نافذته، فالتفت للطارق، فوجده عبدالرحمن وخلفه خادمة سوداء، قبيحة الوجه، شعرها مجعد ومخيف، ضعيفة البنية. لا يساعد وجهها حتّى النظر إليها. فارتسمت علامات الصدمة والخيبة على وجه مشعل، ثم فتح الباب، وخرج من سيارته وهو يقول مرعوبًا ويشير إليها:
-
عبدالرحمن ............. لا يكون ........... هذي ........... هي ؟

       أومأ عبدالرحمن بالإيجاب. فرد مشعل يصرخ باستياء:
-
اقسم بالله العظيم اني كنت غبي لما وثقت فيك ... انقلع انت وخدامتك، والفلوس اللي دفعتها عشان هالسحت .. خذها هدية لله.

      أغلق باب سيارته، وانطلق إلى البيت مسرعًا.


 علق عبدالرحمن على الموقف باستغراب:
-
شفيه مشعل جذي؟ عزالله ما عنده ذوق ! ياخي الجمال جمال الرّوح
!

حين تلك اللحظة، التقطت فتاة اللكزس صورة لصاحب المكتب والخادمة، ثم انطلقت مغادرة المكان.

***

       قاد مشعل سيارته مسرعًا، ويتمتم غاضبًا:
-
الشرهة علي والله اني وثقت فيه هالنصاب البخيل .. انا لك يا عبدالرحمن، بتندم على يوم.


      حين وصل منزله، دخل غاضبًا، وجلس بالصالة، فلاحظت حور التي كانت تطبخ ذلك، فضحكت بصمت، وقالت:
-
حيل حيل .. يستاهل. أستانس لما اشوفه معصب. بس لازم اعرف شفيه!!

     لحقت حور به إلى الصالة، فرأته شارد الذهن، فتقدمت ناحيته ببطئ، وسألته:
-
عسى ماشر مشعل، شفيك معصب؟

      نظر إليها بوجه عابس، ثم أشاح بوجهه ليكمل شروده. فجلست امامه، وكررت السؤال، فأجابها غاضبًا:
-
انقلعي مناك ! لا تغثيني!!! ترى بروحي واصله عند خشمي! اقسم بالله يا حور ان ما ذلفتي للمطبخ وخليتيني بحالي .. ترى ما تلومين الا نفسج !!! يالله مناك.

    حين صرخ عليها .. كانت مغمضة العينين، فقامت قبل أن يختمها ببصقة تلطخ مكياجها الصارخ، فرجعت إلى المطبخ، وتمتمت بانزعاج:
-
غثيث ونفسية، اكرهه والله! لو انه مو اخوي .. جان قتلته بس اففف اففف اففف.

      كانت قطتها تمسح بجسدها على ثيابها، فغضبت حور، وركلتها بعيدًا، فغضبت القطة، ولحقت بها لتنتقم، فهربت المسكينة خارج المطبخ وهي تصرخ:
-
ياااااي مشيعل .. شوف القطوة تلحقني تبي تخمشني.

     سمعها مشعل، فحدث نفسه بغيظ بعدما زفر زفرة مخيفة:
-
اقسم بالله هالبنت تبيني العن خيرها طق!!! انا بروحي متضايق من هالبخيل عبدالرحمن !!! أوريك يا ابو اربع عيون قسما لاخليك تندم.

      عند ذاك، دخلت حور الصالة تركض، وخلفها القطة، فاحتمت بأخيها. تمالك مشعل نفسه، وأرمق القطة بنظرات غاضبة، جعلها تخاف من غضبه، ثم ولّت خارجًا.

      قال مشعل لحور:
-
شكبرج .. مالت عليج تخافين من القطوة. يالله قومي انقلعي كملي غداج.

     ردت حور غاضبة بلا شعور:
-
زين لا تعصب.

      جحظت عينا اخيها، وصاح عليها:
-
تعلّين صوتج علي يا حور؟ تتجرأين؟

       أطرقت رأسها، وردت:
-
والله ما قصدت يا مشعل. وقسم! بس القطوة غثتني، وانا اصلا كنت معصبة على القطوة، بس مادري شلون راح الكلام لك.

علّق مشعل ساخرًا على تبريراتها:
-
سبحان الله! شلون راح الكلام ها؟ ترقعين الموقف.

    رفع يده ليضربها، فحاولت الاحتماء بيديها منه، لكن أوقف ذلك المشهد .. جرس المنزل. أنزل مشعل يده، ونظر إلى أخته، وتساءل:
-
غريبه منو جاي بهالوقت ؟!؟ في احد اتصل اليوم .. وقال انه بيجي؟

     هزت حور برأسها نافية. فمضى مشعل إلى الباب، ولما فتحه، وجدها تلك الخادمة (السّحت)، فاتسعت عيناه  بذهول، وسألها:
-
أنتي شجايبج أبي اعرف؟! شلون جيتي؟ لحظه لحظه .. انتي صج انتي ولا انتي مو انتي؟

     هزّت رأسها - كعادة الآسيوين - وردت :
-
بابا انا يبي يشتغل في بيت انت.
-
شتبين فيني؟ انا ما ابيج .. ما ابييييييييييييييج .. تفهمين عربي؟
-
اي بابا انا يعرف وازد كلام عربي. انا يبي بيت مال انت.

        استاء مشعل، واسترجع، واستغفر، ثم قال لها:
-
انتي ما ينفع معاج! انقلعي للمكتب، وقولي لصاحب مكتبج ان مشعل طردني.

      فلما همّ بإغلاق الباب .. قامت الخادمة بدفعه، فزاد ذهول مشعل، وقال غاضبًا:
-
يا حقيرة شلون تتجرأين؟

      أجابته وهي تتقدم داخل المنزل:
-
أنا إذا يبي يسوي شغل في بيت .. يسوي شغل يسوي شغل .. غصبا عن كفيل.

       ضرب مشعل بكفيه، ورد عليها:
-
خدم اخر زمن! وتتجرّأ تدخل في بيتي بعد.

تقدمت أكثر إلى الداخل، فسألت مشعل وهي تتأمل المنزل:
-
بابا بيت مال انت صغيره. شغل هني وازد زين.
-
الاخت ضامنه نفسها بعد! اقول انقلعي برى لا اكسرج والله.

     نظرت إليه بحدّة، وقالت:
-
إذا أنت قويه .. يسوي كسر انا.

ضحك مشعل على ردها، وقال لها مندهشًا:
-
اول مره بحياتي اشوف خدامة عينها قوية. اوريج يا جيكرة.

    حاول ضربها لكنّها كانت أقوى، فقامت بخفة حركه، من خلالها استطاعت مسك يده، ولوتها بعنف، وهددته:
-
اذا يسوي حركة مره ثانيه .. أنا يسوي ايدك كسر.

      تألم مشعل من حركتها كثيرًا، فقال لها:
-
خلاص خلاص. 
-
اوك .. انا يهد ايد مال انت .. لما يسوي موافق انا يسوي شغل في بيت انت.

       سكت مشعل ولم يخضع لطلبها، فقامت بزيادة الضغط على يده، فتألم اكثر، وقال لها:
-
خلاص انا ابيج عندي.

       فتركته، وقالت له:
-
ما يجي الا عين حمره. انا يبي يسوي شغل الحين. لا يسوي يزعج.

      امسك مشعل يده، وقال لها:
-
يبه زين ما قلنا شي. غثيثه.
-
شنو يقووووووووووووووووول؟
-
ما قلت شي! قصدت ايدي غثيثة يعني تعور.

      راقبت حور الحدث من بعيد، فكانت تضحك ملئ قلبها، فحمدت الله، وقالت بصوت خفيض:
-
زين تسوي فيك ... كفو والله يا خدامتنا. راح تكونين سند لي على هالنفسية.




         
         

هناك 8 تعليقات:

  1. جميل
    all the best

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا ملاك البستيه السمبتيكيه البكاشية

      حذف
  2. ابددعت بنتظاارك

    ردحذف
  3. عجيبة الصراحة القصة طريفة ومثيرة .. بانتظار التكملة استاذي\سراري

    ردحذف
    الردود
    1. تسلمين لي على تواصلج استاذتي الموقره

      حذف
  4. ابداع الفصل الاول جميل وكوميدي 😂😍

    ردحذف
    الردود
    1. هههه حبيب .. منورني
      وعسى ربي ما يحرمني من تواصلك

      حذف

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )