السبت، مارس 14، 2015

(( .. لغز الرّؤوس الثّلاثة .. ))



الفصل السّابع


كانت الدّهشة واضحة عليهما، فقالت فاطمة:
-         حقًّا لم أنتبه للخط الرّفيع في نصف الطّاولة! لم يخلد في ذهني بأنّ الباب في هذا المكان!

نظرت ريينا للأسفل، ثم قالت:
-         يظهر لي بأنّ الغرفة مظلمة، لكن يجب أن ننزل، ونرى ما يوجد.

نزلتا بهدوء، وبحثتا عن مفتاح المصباح، فتحسّسته فاطمة، وقامت بإشغاله، فأنارت الغرفة، ومما زاد من نورها هو سبائك الذّهب الكثيرة والمتناثرة هناك. لم تحتمل ريينا ما رأته، فاندفعت إلى الكنز، وأخذت بيدها حفنة، ثم قذفتها عاليًا، وسقطت حولها. كانت تفعل هذا من فرط بهجتها بالحصول على شيء جاءت لأجله، ولم تظنّ يومًا بأنّ ما اعتقدته تافهًا كان هو الذي سيقودها إلى هدفها.

علّقت فاطمة:
-         أرأيتِ! قلت لكِ بأنّه لغز لكنّك لم تصدّقيني.

ردّت ريينا بانتشاء عميق:
-         ياه، كم أنا مسرورة بهذا الكنز. يجب أنّ نأخذ منه ما يكفينا لآلاف السّنين.

قاطعهما صوتٌ آتٍ من الخلف:
-         أجل صحيح، لكنّما ستقضيانها في السّجن.

تسمّر جسد الفتاتيْن حين سمعتا ذلك الصّوت، فالتفتا إليه ببطئ وخوف، ولما التقت عيناهما بعينيه، تابع يقول:
-         كنتُ أراقبكما عن بعد، وتركتكما في حالكما إلى أنْ تقعا في شرّ عملكما هذا. إنّ كل ما يحصل في هذا القصر يمكنني معرفته وأنا متكّئٌ على أريكتي في غرفتي.

صمت هنيهةً، ثم أردف:
-         ليست هذه المرّة الأولى التي يستغل فيه أحدهم تعاملي الطّيب معهم، ولأجل ذلك، ربطتُ الأبواب السّريّة بغرفتي، بحيث لو فُتح أحدها، فإنّني أشعر بصوت اهتزازها في غرفتي. وأنشأت ممرًّا سرّيًّا بين هذه الغرفة، وغرفتي.

ثم وضع يديه في جيبه، وراح يمشي إليهما، ويتابع كلامه:
-         وقد كنتُ أنتظركما هُنا في كل ليلة، كيْ تقعا في المصيدة.

ولمّا وقف أمامهما، قامت ريينا، وقالت له راجية:
-         سيدي، صدقنا لم نقصد شيئًا، فكل مافي الأمر هو أنّ الفضول قد جذبنا إلى هذا المكان.

نظر إليها ساخرًا، وقال لها:
-         وماذا بشأنِ قولكِ " يجب أنّ نأخذ منه ما يكفينا لآلاف السّنين"؟ أتظنّينني أصمّ؟
-         لا لم أقصد ... ولكن .....

قاطعها صوت بكاء فاطمة، فوجّه مشعل أنظاره نحوها، وقال لها:
-         تبكين؟ وماذا سينفعك بكاؤكِ حين تتصفّد يديك بالأغلال، ويتم زجّك في السّجن؟

لم تحتمل المسكينة كلامه، فانفجرت باكية، وهي تقول له، وتشير لصاحبتها:
-         أقسم بأنّها هي السّبب، فأنا لم أكن في يومٍ ما في حياتي لصّة، حتّى أنّني لم أنوِ سرقتك، أقسم بالله أنّني صادقة فيما أقول.

هزّ كتفيْه، وردّ عليها:
-         أنا لا أقرأ مافي قلبك، لكنّي أحكم على أراه، فأنتِ شريكتها.

ثم فاجأهما بسؤال:
-         وماذا كنتما تفعلانه في دولابي الصّغير؟
كان سؤاله عليهما كالصّاعقة، فأجابته ريينا بنبرة مضطربة:
-         د...دولابك؟ لم .... لم نكن هناك ... سيدي!

ابتسم مشعل، وأخرج من جيبه شعرة ذهبيّة طويلة، يقبض طرفها، وقال:
-         ماذا تفعل هذه الشّعرة الطّويلة في الدّولاب؟ هل سقطت من شعر أحدكما، وطارت بنفسها إلى هناك؟
-         لكن ما هو دليلك على أنّها لنا؟ رُبما لإحدى الخادمات اللاتي قمن بتنظيف دولابك.
-         لا، فالموكّل بتنظيف غرفتي هو خادم كبير لي، شعره أبيضًا، وقد قام بتنظيف دولابي قبل الحريق، ولما زادت النّيران، أقفل الخادم باب الدّولاب على عجل، ولم يغلقه بالمفتاح، فخرج مسرعًا، وبعدما تم إطفاؤها، عاد خادمي ليكمل عمله، فتفاجأ بوجود هذه الشّعرة، وهي أقرب إلى لون شعرك الذّهبي الذي تنتهي أطرافه باللون الكستنائي. وليس لدي خادمة لها لون شعر كشعرك.

وأشار بسبّابته نحوها، مُردفًا بتأكيد:
-         كل الدّلائل تُشير إليك يا ريينا، لا مفرّ من الحقيقة. أنتِ مُتّهمة بسرقتي، وإحراق قصري، وستنالين جزاءك العادل.

ثم التفت ناحية فاطمة، وقال لها:
-         أمّا أنتِ، فستناليْن نصف العقوبة لأنّكِ شريكة لها في أعمالها المشينة.

ردّ ريينا معترضة:
-         لكنّنا لم نحرق قصرك يا سيدي! فنحن بريئتان من تهمتك.
-         بريئتان؟ ليتكما كذلك! لماذا إذن لم تخرجا من القصر مع بقية الخدم؟

كانت علائم الكذب واضحة على وجه ريينا، حين قالت له:
-         لقد ... لقد .. إنّنا في الحقيقة لم نجد ... أعني أنّنا حين أردنا الخروج، كانت النّيران تأكل المكان، فخفنا ودخلنا غرفتك. هذه هي الحقيقة.
-         كذبتك هذه لا يمكن لأي عقل أنْ يصدّقها، فالحريق لم يصل لغرفتي أصلّا، فكان يمكنكما الخروج لطالما أنّكما وصلتما للغرفة. حتّى تمثيليتكما المتقنة بشأن أنّ الأدخنة كادت أن تقتلك، لم تكن كاملة، فطبيبي مختص، وذو خبرة طويلة، فعندما علم بأنّكما تمثّلان، ترككما على حالكما، وأخبرني بذلك، فتيقّنتُ حينها أنّكما وراء الحريق.

حاولت ريينا أنْ تتملّص من الحقيقة باختلاق كذبات أخرى، لكنّ فاطمة تدخّلت، واعترفت بكل ما حصل.

وهكذا، نالت الفتاتان عقوبتهما في السّجن، حيث تم الحكم على ريينا لخمس عشرة سنة، مع الأعمال الشّاقة، بينما فاطمة، فقد تم الحكم عليها لعشرة سنوات، مع الأعمال الشّاقة.

وفي أحد الأيّام، مضى غسّان للتّبضّع من أحد الأسواق، وعند عودته إلى القصر، لفت انتباهه مكانٌ قد مرّ منه سابقًا، وحدث له فيه موقفًا مع إحدى الفتيات. فركّز بتمعنٍّ على المكان، وبدأ شريط ذكرياته يمر أمام عينيْه، حتّى وصل إلى اللحظة التي التقى فيها مع ريينا هنا، فقال مستذكرًا:
-         لقد تذكّرت تلك الفتاة، إنّها ريينا! الويل لها، لقد خدعتنا، وغيّرت إسمها إلى (ريتا)، لقد أتقنت كذبتها علينا! كيف فاتني هذا الأمر؟!

ثم تنهّد، وتابع قائلًا بارتياح:
-         على كل حال، لقد نالت عقوبتها، لكنّني لن أغفر لها لو رأيتها بعد سنين طويلة.

أمّا والدة ريينا المكلومة، فقد كانت لا تزال تبحث عن ابنتها في كل مكان، وقد خرجت من بلدتها باحثة عنها إلى أنْ أهلكها التّعب في بلاد باردة، ويكسو أرضها البياض. فتعبت، ولم تحتمل أكثر، فسقطت على وجهها، وغطّ جسدها النّحيل الثلجُ، ودفنها، وبقيت في قبرها الأبيض حتّى فاضت روحها.


- انتهت بحمد الله - 

هناك تعليقان (2):

  1. مادري ليش ما نزل تعليقي هني :( .. لكن برجع أقول إنك كسبتني متابعة لأني حبيت فكرة القصة وتسلسل أحداثها ، على الرغم من الأخطاء الاملائية -البسيطة جدا- فيها

    ردحذف
    الردود
    1. أهلين أستاذه أمل ..
      أتشرف إني كسبتج صراحه
      بخصوص الأخطاء، فهي كثيره لاني بالنحو اطقطق :D
      وبخصوص التعليقات، يمكن من النت عند او يمكن لان مدونتي كانت معلقه!

      شكرًا لك

      حذف

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )