الجمعة، أغسطس 08، 2014

(( .. رواية: قبضة الهَلاك .. ))



الفصل التاسع والعشرون

الاقتحام





في الساعة السادسة مساءً، كانت مريم متردّدةٌ فيما هل ستكون عند قرارها في التغيير، أم تعود أدراجها كما كانت! وبعد وقت طويل من صراع النّفس، قرّرت أن تمضي بالقرار. فخرجت من غرفتها، وألقت بنظرة سريعة إلى الصّالة، فلم تجد أحدًا، ثم دخلت غرفتها، وحملت أمتعتها، ثم غادرت.

       خرجت من الشّقة، وركبت سيارتها، ثم انطلقت. وفي الطريق، أخرجت هاتفها، واتصلت بليلى، التي كانت جالسة مع صديقاتها، وكنّ يتحدثن عن فتاة، رأينها البارحة في أحد المقاهي، لم يعجبهنّ حذاءها !وعندما رأت اتصال صديقتها القديمة، فتحت عيناها على وسعهما، وتساءلت في نفسها:
-
مريم! شعندها بعد؟ خل أقوم برى وأحاجيها.

    استئذنت صديقاتها، وخرجت من غرفة الجلوس، فردّت  على هاتفها:
-
هلا مريم.
-
هلا ليلى، شلونج؟ عساج بخير؟

     استغربت ليلى من سؤالها عن حالها، فأجابتها:
-
الحمدلله تمام، وانتي؟
-
بخير ربي يسلمج. ليلى بصراحه مادري شقولج! بس ممكن نلتقي بمكان قريب من بيتكم؟
-
ليش؟
-
ودي أحاجيج بموضوع مهم جدا، وصدقيني .. أنا اليوم يايه مو عشان مشاكل! لازم أشوفج بعد شوي ضروري.

    ألقت ليلى نظرة نحو غرفة الجلوس، ثم قالت لمريم:
-
اوك، بطلع قبلج لمقهى كوستا القريب، انطرج هناك.

    بعدما أنهت ليلى المكالمة، أخبرت صديقاتها بأنّها ذاهبة إلى مكان قريب،  فرمقتها رفعه بنظرات شك! ولم تنطق بحرف.

خرجت ليلى إلى المقهى، وطلبت قهوتان، ثم جلست تنتظر. وخلال دقائق، وصلت مريم المقهى، وجلست مقابل صاحبتها، فبدأت حديثها قائلة بثبات:
-
ليلى .. أنا يايه اليوم أعتذر منج عن كل خطأ بدر مني! حتى لو ما قبلتي اعتذاري أو رفضتيني من الأساس، فما يهمني. كل اللي همني اني أكفّر عن خطاياي! وأتمنى ربي يغفرلي ويرحمني عن اللي سويتيه بحق الأبرياء والضّحايا.

     استغربت ليلى كثيرًا، ثم دوى صمت قصير بينهما، ثم أجابتها:
-
مريوم، أنا مو عارفه شنو سبب تغييرج المفاجئ، بس ماكو شي بعيد عن رب العالمين، فهو الهادي سبحانه .. ودام انج ندمانه عن كل شي سويتيه بحق الناس .. فعسى الله يغفر ذنبج ويتوب عليج. أما من ناحيتي .. فأنا عاذرتج والله، مو عشان انج جيتيني واعتذرتي، وإنما عشان انج صديقة طفولتي اللي ما أقدر أشيل عليها بقلبي مهما حصل.

    خنقت مريم العبره، وسالت من عينيها دمعات حارة يملؤها الندم، وقالت:
-
مو هذا اللي يخلاني اييلج واعتذر .. طيبة قلبج اللامتناهيه !

     ابتسمت ليلى، وانحنت على الطاولة، ومدت يدها اليمنى نحو عيني صديقتها، فمسحت دموعها بإبهامها، وقالت:
-
مريوم ياقلبي ... ابتسمي عشاني !

ردت مريم بصوت متحشرج:
-
شلون أبتسم وأنا سويت الحماقات بحق البشر؟ مو حاسه ان ضميري مرتاح! أحس ان ودي اسوي شي أكبر من الاعتذار عشان يرتاح قلبي !
-
شنو قصدج؟

    أشاحت مريم بوجهها صامتة. فألّحت عليها صديقتها أن تتكلم، لكنّها لم تجبها!

      قالت ليلى:
-
مريم لا يكون قصدج تنتحرين؟

      وجهت مريم وجهها نحوها، وقالت:
-
لا أبدًا، راح تعرفين بعدين. ودامج عذرتيني، فأنا ارتحت وتطمنت من ناحيتج بس باجي الاوادم ... راح أعتذر منهم بطريقه ثانيه.

دفعت مريم مقعدها إلى الخلف، وقامت. فقالت ليلى:
-
وين؟
-
أنا يايه عشان أعتذر وارجع ... عندي أشغال لازم أخلّصها.
-
ترجعين هني؟

ردت بشحوب:
-
احتمال! عالعموم راح أتصل فيج وأبلغج.
-
انزين قعدي شوي .. الحين تخلص القهوه !

     ردت معتذرة:
-
السموحه ليلى، مو قادره أحس بلذة الحياة دام ان ضميري يعذبني. أعتذر واااااااااااااااااااايد، لا تزعلين يا قلبي!!! عن إذنج.

      وقبل أن تمضي، قالت:
-
بالله اعتذري لي من رفعه. أدري فيها لو شافتني .. راح تتهجم علي وماراح تعذرني.
-
ابشري يا قلبي. بس بالله عليج، لازم تكون لنا قعدات وسوالف .. ودي نسترجع ذكرياتنا وأيامنا الحلوه ... وحتى راح أخلي المدربة أحلام تجي .. بتكون القعده أحلى.

    ابتسمت مريم، ثم ودعت صديقتها، وعادت إلى سيارتها، ثم انطلقت إلى منطقة الدوحة، حيث مكتب اللواء، فركنت سيارتها في المواقف، ونزلت، وطلبت من السّكرتير مقابلة اللواء شهيد.


  دخل سكرتير إلى شهيد، وأخبره بذلك، فأذن بإدخالها، فأدخلها عليه. ولما رآها، رمقها بنظرات حائره، وقال لها وهو يشير إلى المقعد الذي أمامه:
-
تفضلي أختي.

      جلست مريم، وكان شهيد مرخيًا ظهره على مقعده، ويتحرك به يمنة ويسرة ببطئ، فسألها:
-
آمري !

     أخفضت رأسها بندم، وأجابته:
-
سيد شهيد، بصراحه آنا يايه عشان أعترف !

     حين سمع اللواء جوابها، أوقف حركة الكرسي، واتكئ بمرفقيه على الطاولة منحيًا ظهره، وذقنه على قبضة كفيه، فسألها عن اعترافها! فأخبرته بتفاصيل ما فعلته من جرائم وسرقات وغيرها، وشهيد يهز رأسه مستمعًا بانصات شديد ومتعجّبًا.

     لما فرغت من حديثها، عاد يرخي ظهره إلى مقعده، ثم أخذ نفسًا عميقًا، وقال:
-
يعني كنتي من عصابة نوف الأركة! شي جميل صراحه انج ييتي واعترفتي .. وهذا دليل على صدق نيتج.

       زادت مريم على اعترافاتها قائلة:
-
وراح أقولك كل أسرار عصابتنا البائسة، ومكان شقتهم الحاليه، لأنّهم ما يدرون اني تركتهم !وراح أكشف لك حقيقة زهرة الجحيم اللي اغتالت جوري !


   فاعترفت مريم بكل الأسرار، ثم أخبرته عن مكان شقة القنّاص الجديده، وكذلك شقة العصابة الجديده، وشهيد يستمع بانتباه، ويومئ برأسه متفهّمًا لأقوالها.

    ولما انتهت، عقّب اللواء قائلًا:
-
يعني كنتو ناوين تغتالون الاستاذه ملاك؟ الحمدلله انج ييتي بالوقت المناسب واعترفتي. أما قصتج انتي والشمس الذهبيه مع مشعل .. رغم انها أضحكتني شوي إلا انها أثارت استغرابي الشديد.

     ثم زفر نفسًا، وتابع:
-
أما قضية حور، غريبة إنسانه شريره مثل القطة .. ترفض قتلها! أتوقع ورى شفقتها على الصغار قصه طويله!

      ثم سألها:
-
عندج صوره للي اسمها آسيه؟
-
للاسف لا، لأنْ بطبيعتنا نتنكّر بشكل يختلف عن الشكل الحقيقي.
-
مو مشكله .. الاسم يفي بالغرض، ومن خلاله راح نعرف كل بياناتها بإذن الله.

     ثم تابع:
 - تقدرين تنطريني في كراسي الانتظار برى؟ لأن الحين لازم أعقد اجتماع طارئ مع كبار قادة قسمي حول هالموضوع !وراح أحتاجج حيل يا مريم ... استعدي.
-
ابشر.

    خرجت مريم إلى كراسي الانتظار. فاتصل شهيد بالقيادات، يخبرهم عن الاجتماع، الذي تم تحديده عند الساعة السابعة والنصف مساءً.

     وحين حان وقت اجتماع القادة، اتفقوا على خطة للقضاء على العصابة، فوافقوا عليها جميعهم، وتم اعتمادها. ثم خرج شهيد من القاعة، فوجد مريم تنتظر، فأومأ لها أن تقوم، ثم انطلقوا بعد ذلك إلى شقة العصابة الجديده، بينما انطللقت مجموعة أخرى إلى شقة عبدالرحمن للقبض عليه بقيادة النقيب عادل.

***

       كانت الفضائيتان مازلتا تبحثان عن تلك المرأة السمينة. فتشيريك لم تترك مطعمًا إلّا وأكلت منه عشرات الوجبات بنَهم، أما تشيريف، فهي مازالت تشعر بالجوع، فبطنها يغرغر بصوت مسموع، ولعابها كاد أن يغرق السفينة الفضائية!

    صاحت تشيريف بضجر:
-
تشيريك بسج أكل!! ترى وربي ميته يوع! لا تيوعيني بزيادة!

      نظرت إليها تشيريك بطرف عينيها، وردت بفم مملوء بالطعام، وبنبرة غير مفهومه:
-خليني آكل.
-
شنو تقولين؟ أقول ابلعي لقمتج، وردي علي يا ....... 

     طرت في خاطر تشيريف، في تلك اللحظة، فكرة أشغلتها وهي تنظر إلى جسد تشيريك، الذي زاد وزنه بوضوح، فقالت في نفسها بمكر:
-
حلو ... دام اني ما لقيت ذيج السمينه ... عيل خل أخلي تشيريك تاكل لين تصير بحجمها. واوووو مثل ما يقولون" العوض ولا القطيعه".

       ثم قالت لصديقتها بابتسامة مصطنعة:
-
اي حياتي تشيريك .. إكلي أكثر وأكثر. أصلًا انتي تاكلين وأنا أشبع .. فديتج.

      رفعت تشيريك حاجبًا، وأرخت الاخر مستغربةً من تغيير رأيها المفاجئ، ثم أكملت وجبتها الثلاثون !



***

       
حين فرغ مشعل، اتصل بصديقه بكر، فتواعدا عند شاطئ الأبراج. فانطلقا إلى هناك، والتقيا.
 رحّب مشعل بصديقه ترحيبًا ظريفًا، فضحك الآخر، وقال:
-أهلين مشيعل، من زمان عنك. بدخل بصلب الموضوع .. لأن ادري فيك أشغالك كثيرة.

  مرّ من ناحيتهم عربة صاحب المثلّجات، فأوقفه مشعل، وقال لصديقه:
-خل نشتري برّد ذهب، اشتهيته.

   أخرج لهما اثنان من هذا النّوع، ثم طلب مشعل من بكر أنْ يدفع، فضحك صديقه، ودفع له الثّمن. ثم قال بكر:
-عندي مشكلة مع شباب، فودّي تخلّي رفيجك اللواء شهيد يحل قضيّتي.

   دهش مشعل من معرفته بسر صداقته مع شهيد، فادّعى عدم معرفته:
-ما أعرفه! بس أسمع عنه ...

   قاطعه بكر بنبرة ريب:
-مشعل، مو علي! وصل لي كلام أنّك تعرفه. ضروري تكلمه يساعدني.

   سكت مشعل، ثم قال:
-قلت لك ما أعرفه بس أعرف واحد يمون عليه.

   نظر إليه بكر بنظرة شكّ، ثم قال له:
-مو مشكله، أهم شي أنّه يساعدني.
-شنو قضيّتك؟
-شباب بايقين الاسطبل حقي في منطقة جبد.
-وليش ما تبلّغ شرطة جبد؟

   ردّ عليه بحزم:
-أنا أبي شهيد بنفسه يحلّها.
-ليش هو بالذّات؟
-لأنّه لواء معروف بحنكته وشجاعته.

   أطال مشعل النظر في عينيْ بكر، ثم نظر إلى البحر، وقال:
-مو مشكلة، باجر إنْ شاءالله أتصل فيه.
-الحين يا مشعل! ضروري.

   تنهّد، وردّ:
-إنْ شاءالله.

  اتصل مشعل به، وقال له بأنّه يريده في مهمّة القبض على لصوص في منطقة كبد، فردّ عليه اللواء يخبره بأنّه في مهمّة خطره، وسيوافيه بعدما ينتهي.


   سأله مشعل بفضول:
-شنو هالمهمّة الخطرة؟
-اقتحام شقّة الأركة.

   صُعق مشعل، وقال:
-من صجك؟ شلون عرفتوا مكانها؟
-راح أقول لك بعدين، لأنْ يبيلها قعدة.

***

     وصل النقيب عادل إلى شقة عبدالرحمن، فأمر قوات الشرطة أن يقفوا خلفه متأهّبين للاقتحام.

      طرق النقيب باب شقته، فخرج عبدالرحمن، ولما فتح الباب، ورأى هذا المنظر، ارتبك، وازدرد ريقه قائلًا:
-
عفوًا ... أنا ما اتصلت على الطوارئ؟

رد النقيب ساخرًا:
-
طوارئ؟! احنا يايين عشان مهمّة يا عبدالرحمن.

     عرض النقيب عليه إذنًا من النيابة لاقتحام شقته. وبعدما مرر عبدالرحمن عيناه سريعًا على الإذن، أغلق الباب بقوة، وأقفل الباب، ثم انطلق سريعًا إلى درج الدولاب، وأخرج منْه سلاح كلاشينكوف.

      وجّه فوهة السلاح ناحية الباب، ثم اتصل على الأفعى الحمراء أكثر منْ مرّة، فوجد الخط مشغولًا في كل مرّة يتّصل بها، فغضب، وقذف هاتفه بعيدًا.

      بعد ذلك، سمع صوتًا من الخارج .. يتكلم بمكبّر الصوت يحذره، ويهدده، ويطلب منه الخروج بسلام مستسلمًا. فاغتاظ عبدالرحمن، وتوجه نحو النافذة، وصاح غاضبًا:
-
يلا انقلعوا عني ... لا وربي أرميكم كلكم .. أنا اليوم قافله عندي !!!


    ردّ عليه الشّرطي:
-
لا تبالغ بامركّ! احنا أكثر عدد منك ... استسلم بطيبك أحسن لك .. ولا تضطرنا لاستخدام السلاح !!!

      لم يتمالك عبدالرحمن نفسه، فقام بإطلاق النار عليهم بشكل عشوائي، فاختبئ رجال الشرطة خلف العمارات المجاوره، وبعضهم أخفض رأسه  خلف سيارته، ليحتمي بها، ولم يخلّف ذلك أي أضرار إنسانيّة، إنّما فقط أضرار على سيارات الشّرطة.

      حينذاك، استطاعت قوات النقيب تحطيم باب الشقة، فدخلوا عليه، ووجهوا أسلحتهم نحوه، فلم يستطع عبدالرحمن فعل شيء، فطأطأ رأسه بانكسار! ثم رفعه بعد تفكير، ونظر خلفه، وكانت النافذة خلفه مباشرة، فقذف نفسه منْها، لكنْ لسوء الحظ، قامت قوات الإطفاء بوضع التدابير اللازمة، حيث نصبوا شبكة كبيره قد سقط عليها المتهم، ثم غطوه بها، وألقت قوات الشرطة القبض عليه.

***

      كانت الأفعى، في تلك الأثناء، تحادث صديقتها القطة، بينما فدوى، كانت جالسة على الأريكة .. تتصفح كتابًا.

     سمعتا طرق الباب، فتبادلتا النظر لبعضهما، ثم قامت الأفعى، فلما فتحته، قالت:
-
مريوم .. غريبة!!! مفتاح الشقه مو معاج؟

     بعدما قالت كلماتها تلك، فاجأها، من خلف مريم، وجه شهيد مبتسمًا، قائلًا:
-
أهلًا بالمذيعه لولوه! ما توقعتج أبدًا تكونين ضمن عصابة خطرة .. كانت لي صدمة مدويه حقيقة !

     اتسعت عيناها دهشة مما رأته وسمعته، فحاولت إغلاق باب الشقة، لكن مريم قامت بوضع قدمها سريعا على حافة الباب، فصاحت لولوه تقول للقطة على عجل، بأنّ مريم قد خانتهم، وأتت برجال الشرطة، ثمّ حذرتها من المجيء، وأقفلت الخط.

     قامت قوات الشرطة باقتحام الشقة، وإلقاء القبض على فدوى البندقة، والأفعى لولوه، واقتيادهما مكبلتان إلى الدّوريات، بينما قام بضع من رجال الإطفاء بفتح باب الغرفة، التي حُبس بداخلها إيمان ابنة الوزيرة، بالطرق التكنولوجية.

      تم أخذ إيمان مباشرة إلى منزلها، وطلب اللواء من الفتاة أنْ تختبئ خلف الباب، ثم دخل وحده. فنظرت إليه أشواق بعينين محمرتين يملؤهما الدموع، وقالت له بصوت متحشرج:
-
بشر يا شهيد؟

     لم يستطع اللواء كتم ابتسامة الواسعة، ولم يحتمل دموع عينيها، فأومأ بيده من الخلف


دخلت إيمان، فذهلت والدتها حينما رأتها، وتبدلت تقاسيم وجهها إلى البشاشة الممزوجة بالصدمة والفرح الشديد، ولم تستطع أن تتفوه بكلمة واحدة !فقامت من مكانها مندفعة إلى ابنتها بجسدها، واحتضنتها بشده، واشتمتّها، وقبّلتها في كل مكان في وجهها، ثم لمّتها على صدرها، ووضعت يدها خلف رأس ابنتها، واليد الأخرى على ظهرها، فتبكي شوقًا تارة، وتضحك من البهجه تارةً أخرى. مشاعر متضاربة في موقف صعب.

     سالت دموع أم شهد فرحًا، وكذلك صديقات الوزيرة، اللاتي كنّ معها.

      بعد لحظات من الفرحة اللامتناهية، سحب شهيد نفسه بهدوء، فمسح دمعة سقطت من عينه حزنًا، حين تذكّر ابنه، الذي لم يستطع إنقاذه من حادث أليم .. تعرّض له أمام عينيه قبل سنوات.

     وحينما استدركت أشواق نفسها، جالت بوجهها حولها، فسألت لمن معها عن شهيد، فقالت لها الخادمة بأنّه قد خرج قبل قليل! فاتصلت الوزيرة به، فأجابها بصوت يخفي ألمه:
-
هلا وزيرة أشواق.

     ردت معاتبة:
-
ليش طلعت قبل ما تاخذ مكافأتك؟


     تنهّد تنهيدةً خفيفةً، وأجابها:
-
 أعمال الخير .. ما نتكافئ فيها .. لأن الله وحده هو من يجازي عليها في الدنيا والآخره !ففي الدنيا ألقى سعادتي، وفي الآخره تكون سبب دخولي للجنة. وأحب أوضح، أنه من خلال مهمتي هذي .. حبيت  أشوفج مستانسة لما تشوفين بنتج بين يدينج. ما كان ودي أحد يفقد عياله .... لأنّه شعور موجع .. يصعب احتماله.

     استغربت الوزيرة من كلماته، فردت :
-
بس يا شهيد ...

     قاطعها:
-
من غير بس! مشهد سعادة الأم وبنتها بين يدينها .. كان أعظم مكافأة لي. أعتذر عن قصوري سعادة الوزيرة.

     سكتت أشواق، وشحبت عينيها، وقالت بصوت كسير:
-
ولا يهمك يا شهيد ... باللي تشوفه يريحك!

      بعدما انتهت المكالمة، وضع شهيد هاتفه في جيبه، وابتسم بألم، ثم تراءت أمام عينيه صورة ابنه مبتسمًا، فانسدلت عدة دمعات أحرقت وجنتيه، فمسحها بالمنديل، ثم تمتم باسم طفله، ودعا له، ثم أكمل سيره إلى المكتب.
   
     بعد دقيقتين، رنّ هاتفه، فكان المتصل المخبر مشعل، فردّ عليه:
-أهلين مخبرنا.
-بشر لواءنا .. شصار؟

   أجابه بتفاصيل الواقعة، كما أخبره بما دار بين قوات النقيب عادل وعبدالرحمن. وكان مشعل مذهولًا حيال أمر المذيعة، فعلّق قائلًا:
-من صجك؟ يعني لولوه المذيعه المعروفه هي صاحبة الأستون مارتن الحمرا؟
-إي، اعترفت لما سألتها عنها.
-ياخي شي مو معقول! وربي مصدوم منها، غشتني! عسى الله يصبّر قلب ريينا لو درت فيها.

  قال شهيد مستذكرًا:
-اي مشيعل، شكنت تبي مني؟
-مو أنا صراحة، بس في واحد من ربعي يبيك بمهمّة في منطقة جبد، لأن في شباب بايقين الاسطبل حقه.

  ردّ بنبرة استغراب:
-عرف أنك مخبر؟
-أتوقع! مع أنه قال أنه سمع أنك رفيجي.

   دُهش اللواء، وشكّ بالأمر، ثم قال:
-عالعموم، خله يتصل بشرطة جبد.
-قلت له، بس رفض إلّا تجي بنفسك!
-غريبة! خلاص مو مشكلة، خل نقعد معاه، ويصير خير.
-إن شاءالله.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )