السبت، أغسطس 09، 2014

(( .. رواية: قبضة الهَلاك .. ))






الفصل الثلاثون

مطاردة في عرض البحر




     قبيْل الساعة الثامنة ببضع دقائق، وصل مشعل مع صديقه بكر إلى مكتب شهيد، وهناك تحدث الشّاب عنْ قضيّته مع شهيد، فاتفّقا أنْ يذهبا إلى منطقة كبد مع عدد من رجال الشّرطة.

      بعدما انتهوا، استئذنهم مشعل للذّهاب إلى مقهى الشميمري، فأذنا له. وفي تمام الثامنة، وصل إلى المقهى، وجلس ينتظر ريينا، في المقاعد المطلة على بحر الخليج، حيث يعكس البحر الأضواء على مياهه المالحة، مكونة لوحة طبيعية في غاية الجمال.

      مضت عشر دقائق، ولم تأتِ ريينا، فاتصل بها، فأجابته فورًا:
-
مشعل اعذرني، أنا بمؤسسة المواني .. عندي شغل في مكتبي لازم أخلصه .. ولما أنتهي راح أييك.

    تأفف مشعل بصوت خفيض، وقال لها:
-
مو مشكلة .. بس حاولي ما تطولين !
-
إن شاءالله.

      وبعد دقيقة وصل دانييل، فأخبره مشعل بما قالته ريينا، فهز العميل رأسه، وقال:
-
لا بأس، سننتظر.

    تأمل دانييل اليخوت الصغيره والكبيره، ومركبات الجيتي سكي على البحر. فأعجبه المنظر، وقال:
-
كيف يمكننا ركوب هذه السفن الجميله؟

     أشار مشعل ناحية مجمع شرق، وأجاب:
-
هناك أكو يخوت صغيره .. تقدر تركبهم. أعتقد الثلث ساعه فيها دينارين للشخص الواحد .. شرايك نركبها على حسابك؟
-
ماذا تقول؟ لم أفهم!
-
أقصد يعني انك تدفع فلوس، ونركب أنا وانت. شكلك لما سمعت "على حسابك" تشتت ذهنك.

     ضحك دانييل، وهزّ رأسه موافقًا أن يركباها على حسابه .. بعدما تنتهي هذه المهمّه. ثم 
سأله مشعل عنْ هيسوكا، فأجابه بانّها آتية في طريقها بواسطة درّاجتها النّاريّة. ولم تمر دقيقة حتّى وصلت الأديبة اليابانيّة.

     وكان، وقتذاك، شابٌّ تبدو عليه سيما الشر، جالسًا في ذات المقهى .. يحتسى كوبًا من الشاي الأحمر. وحينما فرغ من شربه، خرج ليتمشى على البحر، فلما لمح رجلًا يرتدي بزّة غربية، وله شعر ذهبي، شعر بأنّه يعرفه، فبدا الاضطراب على وجهه، وغيّر طريقه ليمضي بعيدًا.

    كانت حركته تثير الشبهات حينما غيّر طريقه بسرعة، وكان مشعل ينظر إليه، فعلق قائلًا:
-
مادري ليش ذاك الولد غير طريجه فجأه! كان يبي يطلع من هالصوب .. جان يروح مناك بحركة سريعه !

التفت دانييل إلى الخلف، وحد النظر ناحية ذلك الشّاب، فقال:
-
أظنّه هو!!! الكارثة.

ثم قال لهيسوكا:
-ابقي هُنا مع ميشيل، وإنْ تأخّرتُ عليك، فاذهبي إلى الفندق.

   ثم ركض ناحية الشّاب. ولما سمع ذلك المشبوه وقع أقدام خلفه، ألقى نظرة سريعة إلى الخلف، ثم اندفع يركض للأمام، فصاح دانييل:
-
قف عندك أيها الكارثة، سوف لنْ تُفلت منّي.

     رد الكارثة في نفسه:
-
هذا المجنون، يعتقد بأنني سأتوقف! ليذهب إلى الجحيم.

     ركض الكارثة ناحية مجمع شرق، ولما بلغ الجسر، الذي يفصل بين شارع الخليج ومواقف المجمع، توقّف هناك، ونظر إلى البحر أسفله، فقذف بنفسه على يخت صغير، كان قد خرج في رحلة بحريّة، ثم مضى إلى قائد المركبه، وهدده بالسلاح أن ينزل هو وكل من على اليخت. فامتثلوا لأمره، ونزلوا على الفور، ثم انطلق به مسرعًا.


       أما دانييل، فقد جاء بعدما فرّ الكارثة باليخت الصغير. فانتظر قليلًا، ثم لمح شاب آتيًا بمركبته (جيتي سكي)، فقذف دانييل بنفسه إلى البحر، ثم أخرج رأسه ويده سريعًا .. مشيرًا له أن يتوقف. فتوقف من فوره، ومد يده إليه لينتشله. فقال العميل:
-
لا أريد منك إنقاذي، بل أريد أن أستعير منك هذه المركبة.

      بدا الاستغراب على وجه الشاب قائلًا:
-
شكلك أجنبي بس تتحجى فصحى بطلاقه ...

     قاطعه دانييل:
-
ليس هذا وقت الحديث يا فتى. أعطني مركبتك، فهناك مجرم هارب من القانون.
-
عفوًا، أنت من تكون كيْ أعطيك المركبة حقتي؟
-
حقتي؟ تبا لمن علمك اللغة العربية. أنا عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي.

     عرض دانييل هويته، فتفهم الشاب الأمر، وقال:
-
حسنا خِذ المركبة مولتي.
-
بل خُذ! سأعلمك العربية في وقت لاحق. والآن اصعد هذا اليخت القادم، وأنا سأنطلق بمركبتك.

      وصل اليخت، وركب الشاب عليه، بينما دانييل انطلق بالجيتي سكي خلف اليخت المسروق بأقصى سرعة.

     في هذه اللحظة، جاء لمشعل اتصال، فنظر إلى شاشته، وقال بتململ:
-  
رقم المدير الغثيث، الراشي، البواق .. اللي دوم باط جبدي وطالعلي بكوابيسي! شيبي!

     رد عليه يجامله ببضع كلمات:
-
هلا بالمدير الجميل المجتهد.
-
أهلين بالموظف النشيط .. اللي يداوم الساعه 7.30 ويطلع 2 وربع !
-
هلا هلا .... الله يسمع منك وأكون جذي.
-
المهم، ما عليك من أحلام اليقظة ... انت وينك بهالحزة؟
-
إذا تبيني أجي المؤسسة .. فأنا موجود عند اختي حور، للحينها تعبانه ومحتاجه عناية .. وإذا ما تبيني أجي .. فانا موجود في سوق شرق.
-
أقول عن العبط! شعندك بشرق؟ تقزقز؟


   ردّ مشعل ممازحًا:
-
لا يبا .. تركنا هالسوالف من يوم كنت كبرك.
-
مشيعل جب! أقول تعال المينا ... لأن تذكّرت قبل شوي إن في معاملات قد شعيرات صلعتك .. لازم نخلصهم.
-
ريينا عندك .. وخلها تساعدك! أنا مشغول صراحه.

    رد المدير مستغربًا:
-
عندي؟ أصلًا ما بلّغتني، وحتّى لما اتّصلت فيها عشان تساعدني .. قالت انّها مشغوله!


    ذُهل مشعل، وقال:
-معقوله! بالله لو ما عليك أمر .. تأكّد، موجوده بمكتبها ولا لا؟!
- لحظه خل أشوفها. خلك عالخط مو تسده !

     نزل إلى مكتبها، فوجده مغلقًا، ومطفئأ أنواره، فقال المدير:
-
مكتبها مسكر ومطفيه الليتات! يلا تعال وبسك عبط.

صعق مشعل مما سمع! وتجاهل مكالمة المدير، فقد كان كل ما يشغله حينها، لماذا كذبت ريينا عليه؟

       قال المدير:
-
مشيعل تسمعني؟ ألو .. مشيعل .... ألووووووووووووووو.

     ضغط مشعل بلا شعور على الزر الأحمر، وظلت التساؤلات تدور في رأسه عن كذب زميلته، وتيقّن بأنّ شكوك العميل في محلّها! ففاجأه، بعد لحظات قليلة، اتصال من شهيد، فأجابه بسرعه:
-
شهيد بالله بسألك، ما اعترفوا أعضاء العصابة بحقيقة شخصية القطة السوداء؟ قلبي ناغزني انها شخص اعرفه!!!! وأتمنى ما يكون هو !

رد شهيد بصوت هادئ:
-
 بصراحه .. ما كان ودي أقولك بهالوقت، بس دام جذي، بقولك على شي اعترفت فيه مريم .. وهو أن القطوة السودا هي نفسها اللي أنت تقصدها!
-
انت عارف منو أقصد؟
-
اي عارف يا مشعل ... زميلتك !

     سكت مشعل مشدوهًا، ودارت به الدنيا، وشعر بضيق يكاد يخنقه! لم يستطع إستيعاب الصدمة، فقال:
-
شهيد .. متأكد انها هي؟ أخاف تشابه أسماء؟
-
مشعل والله هي. حتى أنا انصدمت ان الكاتبه المشهوره بمقالاتها ضد العصابات، والسلوكيات السلبيه، والمحبوبه لدى الجميع .. هي نفسها فرد في عصابة خطيرة !مو بس جذي، حتّى هي الزعيم الجديد للعصابة.

     أسدل مشعل يديه بأسى، وأطرق رأسه حزينًا، وشهيد يناديه:
-
مشعل .. اسمعني! ألو؟ مشعل ... مشعل ... وينك؟ استغفر الله لا يكون صار فيه شي! 

     ترك مشعل هيسوكا وحدها، وركض إلى السيارته، ثم انطلق لا يعرف إلى أين! ضائع، تائه، ثم أخرج هاتفه، واتصل أكثر من مره على زميلته لكنها لا تجيب! وفي المرة الأخيره، أجابته:
-
هلا مشعل! قلت لك مشغوله.

    سمع مشعل صوتًا عند ريينا .. قد سمعه من قبل. فقال مستدركًا في نفسه:
-
صوت الرافعات! 

     توجه بسيارته نحو الموانئ، وقال لها:
-
يلا ريينا .. ترى تأخرتي! أنا ناطرج عالبحر.

    كانت ريينا تمشي بين حاويات الميناء، حينئذٍ، فأجابته:
-
كا هذي آخر شغله أسويها .. وأخلّص الشّغل.
-
في أحد معاج بالمينا؟
-
لا بس بروحي! ليش؟
-
عيل بجي أساعدج.
-
لا مشيعل، أحب أخلص أشغالي بروحي .. مشكور الله يخليك.

      أطبق الصمت هنيهة، ثم أردفت حينما رن هاتفها الآخر:
-
مشعل ياني اتصال من تلفوني الثاني .. دقايق واتصل.
-
ليش أسده؟ عادي كلميهم وخلي الخط متصل.
  ردّت عليه بنبرة صارمة:
-
مشعل! في موضوع خاص بيني وبين وحده، أكلمك شوي، باي.

    أنهت مكالمتها مع مشعل، وردت على الهاتف الآخر:
-
السّفاحه ... انتي وينج؟ ليش تأخرتي؟
-
كاني يايه والله .. بيني وبينج طريج ربع ساعة!
-
يلا بسرعه ... في واحد متطفل شكله شاك فيني!!! عرفت هالشي من نبرة صوته وطريقة كلامه.
-
قصدج ذاك اللي اسمه مشعل.
-
أكو غيره! يلا يالسفّاحة، خل أطلع من هالديره وأعيش برى قبل لا يصيدوني! لأن متأكده أن مريم الخاينة كشفت حقيقتي للكل! وترى وربي لو صادوني .. راح أبلغهم عنج عشان تعرفين شلون تتأخرين.
-
خلاص شفيج بلّو! وربي شوي أوصل.
-
اف! باي.

     أسندت ريينا بظهرها على إحدى الحاويات، المركونة على شواطئ الميناء، ومكتّفة يديها، وتضرب بقدمها على الأرض بتوتر واضح، تنتظر صديقتها.

بعد عشرة دقائق، وصل مشعل إلى مؤسسة الموانئ، وذهب ناحية البوابة، التي تفضي إلى شاطئ الميناء، فعرض هويته الوظيفية على موظفي الأمن، فسمحوا له بالدخول. مضى مشعل إلى الحاويات، وهناك وجد سيارة زميلته، فركن سيارته بجانبها، ثم نزل باحثًا عنها.

     سمعت ريينا وقع أقدام من الجهة اليمنى، فاعتدلت من وقفتها، وغيرت مكانها لتختبئ عنه.

    مشى مشعل بين الحاويات، ويقول بصوت مرتفع:
-
ريينا ... اطلعي، لمتى تظلين منحاشه؟ ليش توهقين نفسج مع عصابه خطره؟ وين اللي كانت تنصحني بالخير والمحبه؟ وين اللي كانت تذم العصابات والناس السيئة؟ وين الموظفة المحبوبة .. والكاتبه اللي الكل ينطر مقالاتها بشغف؟ ليش يا ريينا؟ وربي أنا مصدوم للحين!! ودي ان اللي سمعته بأذني كان إشاعه! ممكن تطلعين من مكانج .. ونتناقش؟

    تساءلت ريينا  في نفسها مستغربة عن معرفته بمكان وجودها، ثم استدركت صوت الرّافعات، فأيقنت أنّها السبب، ثم غمغمت:
-
شكلي ماراح أقدر اطلع من هالمكان، وهذا موجود. خل أواجهه أبرك لي.

     خرجت من مكانها، وقالت له:
-
مشعل ... ماودي أتناقش معاك، ولا أتكلم بهالموضوع أبدًا. فممكن ما تدخل نفسك في أمور .. انت في غنى عنها؟

     رد رافضًا:
-
شلون ما أدخل نفسي ياريينا؟ انتي عزيزه علي .. وزميلتي بالدوام! مو من سنة ولا سنتين! أكثر من خمس سنوات، وتبيني أنسى موضوع يخصج؟ ترى في أمل إنج ترجعين لحياتج الطبيعيه.

     ابتسمت ريينا ابتسامة خفيفه، قائلة بتهكّم:
-
ارجع لحياتي؟ من صجك مشعل؟ 

     حينما رأته يتقدم ناحيتها أكثر، أخرجت سلاحا مزوّدًا بكاتم الصوت، فهددته قائلة:
-
وقف عندك! إنْ تقدمت خطوة .. صدقني ماراح يردني إلّا الزّناد !

توقف مشعل في مكانه. فهدأت ريينا، وتابعت:
-
لا يمكن أرجع لحياتي، أنا خلاص انتهيت .. وكل شي انتهى بالنسبة لي! أدري لو صادتني الشرطة .. راح يكون مصيري الإعدام! وإذا كلش كلش .. راح أقضيها مؤبد! ولو طلعت من السجن بعد سنوات .. راح أكون وقتها نكره وعالّه عالمجتمع. فليش أتعب نفسي؟ ليش تبيني أرجع لحياتي الطبيعيه، وأنا راح تنحط صورتي بالجرايد والتلفزيون .. ويكافئون اللي يدل علي؟ مشعل تكفى ... لا تتدخل .. واطلع منها !!!

      تنهد مشعل، ثم سألها:
-
أظنّ انج انتي اللي ذاك اليوم بغيتي تغتاليني في مصافط المؤسسه صح؟
-
اي أنا ... لأنك صرت شي يعيقنا من تحركاتنا ... لدرجه اننا تعاونّا مع عبدالرحمن .. وعن طريقه، أرسلنا لك ندى اللي تنكرت كخادمة .. واشتغلت عندك عشان تعرف عنك اكثر .. وتفهم تحركاتك. وكذلك مريم اللي كانت هم تتابعك من بعيد. ولما صرت تشكّل خطر كبير علينا .. اضطرينا اننا نغتالك عشان نرتاح.

     رد عليها بشحوب:
-
عشان جذي يعني؟ للأسف يا ريينا! كنتي من أعز الناس عندي .. بس من هاللحظه  ......

      لم يكمل كلامه. فطلبت منْه ريينا أنْ يكمل، فقال لها:
-
ما أقدر أكمّل .. أكره هالحقيقة المرّه اللي ما تمنيتها تكون أبدًا يا ريينا!! 

     وقتها، اتصلت السفاحه بريينا، فأجابتها:
-
ها وينج؟
-
يلا أنا وصلت ... تعالي للمكان اللي اتفقنا عليه.
-
يلا دقيقه وأكون عندج.

قالت ريينا لمشعل:
-
أنا الحين بطلع من هالديره .. وأتمنى انك ما تلحقني. فلا تجبرني على استخدام السلاح !

     طأطأ رأسه بألم، وسألها بصوت كسير:
-
ليش تسوين بنفسج جذي؟
-
قاعد تعيد سؤالك! جذي وقتي راح يضيع .. عنْ إذنك.

     رجعت ريينا إلى الخلف، وهي مازالت موجهة فوهة سلاحها ناحيته، وقالت له، قبل أنْ تذهب:
-وعلى فكرة، ترى أنا اللي أنقذت أختك بعدما حرقت بيتكم، وسويت حادث بشكل متعمّد عشان أبعد الشبهه عن نفسي.

   رفع مشعل رأسه نحوها، وبعينين جاحظتين من الدّهشة، سألها:
-انتي؟! وليش أنقذتيها؟
-سالفة طويلة، بس باختصار، ما ودّي أتذكّر صرخات اختي واهي تصارع الموت لما احترق بيتنا قبل سنوات!

   ثم أطرقت برأسها مُردفة:
-للأسف إن هذي نقطة ضعفي!

    ثم جرت هاربه، حتى تخطت الحاويات، ووصلت عند المكان الذي تتنظرها فيه السفاحه. فصعدت القارب، وانطلقتا إلى البحر.

    شحبت عينا مشعل، ثم اتصل بشهيد:
-
ترى ريينا توها طلعت من مينا الشويخ، أطلب منْ قوّات خفر السّواحل يتعقّبونها قبل لا تنحاش برّى الدّيره.

     وقبل أن يسأله شهيد أي أسئله، أنهى المكالمة في وجهه.

***

      في بحر الخليج، كان العميل الأمريكي يلاحق ذلك المجرم الهارب، وانضم إلى المطاردة خفر السواحل ليشاركوه في القبض عليه. فأخرج الكارثة قنابل يدويه، وألقاها ناحية دانييل، فتفاداها بمراوغة، وانفجرت داخل الماء.

    ثم صوّب العميل الفيدرالي سلاحه نحو اليخت المسروق، وبالتحديد على كابينة القياده، حيث يجلس جون، فأطلق ثلاث رصاصات .. لم تخدش إحداهنّ جسده أو شيئًا منْه.

    أسرع جون إلى شاطئ الجزيرة الخضراء، وأوقف اليخت على الشاطئ، وسط دهشة مرتاديه، الذين كانوا يستمتعون بهدوء البحر.

     تفاجئ الكارثة بوصول الشرطة، ومكافحة الإرهاب. فالتفت حوله، ووقع بصره على فتاة صغيرة تلهو، فاندفع إليها مسرعًا، وأمسكها، ووضع سلاحه على رأسها، مهدّدًا:
- منْ يقترب خطوة واحدة، فسوف أفجّر رأسها!

     توقف رجال الشرطة. فتقدم جون قليلًا إلى الأمام، والفتاة بين يديه، ثم واصل:
- اجلبوا لي سيارة الآن، وخلّوا سبيلي، ولا تطاردونني. وسوف آخذ الفتاة كرهينة .. لأضمن عدم لحاقكم بي.

    حاول أحد رجال مكافحة الإرهاب رفع سلاحه، فلمحه جون، فوجّه فوهة المسدس نحو أحد مرتادين البحر حوله، وأطلق رصاصة على فخذه، فصاح ذلك الشخص يتألّم!

    قال جون بانفعال:
- هذه المرة .. كانت طلقة تحذيريه، لذا، احذروا تهديدي، فأنا جادٌّ بما أقول.

      كان الضّابط سعد، هو المكلف بهذه المهمّه، فأمرهم بجلب سيارة خاصّة له، فقام أحد الشرطة بتنفيذ الأمر.

     تبسّم جون واثقًا، وتمتم:
- لحظات، وستنتهي مطاردة هؤلاء الحشرات الفضوليّه.

     لم ينتهي منْ كلماته تلك .. حتى هزّت يده، التي تمسك السلاح، رصاصة أتت منْ بعيد، فسقط سلاحه بعيدًا عنه. فانقض عليه رجال الشرطة، وقيدوه، ثم اقتادوه منهزمًا منكسرًا.      

      كان ذلك الذي أطلق النار متباهيًا مبتسمًا. فقال له أحد الضّباط:
- مو هيّن يا هويدي.

      ضحك هادي:
- اي يبا شفيييييييك ... خل هالأمور لأصحابها.

    تنفّس دانييل الصعداء:
- ياه، الحمدلله أنّ المطاردة انتهت أخيرًا، والآن سنقوم بإجراءاتنا.

    ثم تذكّر الجيتي سكي، فتابع:
- يجب أنْ أسترد هذا لصاحبه العربي الفصيح .. قبل كلّ شيء.

***

      في تلك الأثناء، كانت السفاحة والقطة قد قطعتا رُبع المسافة، وكان هناك في انتظارهما رجال خفر السواحل، وفوقهم تحلّق طائرة مروحيّة، يقف عند بابها، رجل يصوّب سلاحه نحو قارب العصابة.

     أشغل رجال الدّاخليّة الكشافات المضيئة ناحية قارب الفتاتان، وسمعتا صوتًا منْ مكبر الصوت يأمرهما بالاستسلام بهدوء، وإلّا سيتم إجبارهما على ذلك.

     قالت السفاحة بحدّه:   
- راح أخليهم يندمون لأنّهم يحاولون يوقفونا.

     تفاجئت بفوهة سلاح القطة ترتكز على منطقة أعلى رأسها، تقول لها ساخره:
- أمّونه .. انتي غبيه تدرين؟ عبالج انج قادره عليهم؟

    بلعت آمنة ريقها، ولم تجب.

     تابعت القطة:
- اعذريني إني راح استخدمج كرهينه!

      قالت آمنة بصوت مفعم بالدّهشة:
- ريينا!! من صجج انتي؟
- اي من صجي! قصدج منصدمة لأنج رفيجتي؟ أنا ما اعترف بهالشي! أهم شي إنّي أطلّع نفسي من هالورطه.

     ثم أردفت ريينا:   
- عطيني المكرفون خل أحاجيهم.

      أمسكت ريينا مكبر الصوت، وهددتهم بقتل الرهينة التي معها، وأمرتهم بالابتعاد عن طريقها.

     تنهد قائد خفر السّواحل، قائلًا:
- رهينه! صارت رفيجتها رهينه بهالسرعه!! شكلهم يجذبون، صعب أصدقهم.

       قال له أحدهم:
- للأسف ان في عالم الشر .. ما يعترفون بالصداقات، لأنْ علاقتهم تُبنى على المصالح. فلا تستبعد صدق كلامها.

      أيده القائد بإيماءة من رأسه، ثم كتّف يديه يفكّر بالقرار الذي سيتخذه.

     حينذاك، سمعوا صوت إطلاق رصاصة من داخل قارب السفّاحة، فهاجوا وخافوا من أنّ ريينا قد نفذت تهديدها بهذه السّرعة!

      قال القائد بقلق:  
- سوتها ريينا!

     ثم لم يتمالك نفسه، فأشار إلى رجال الدّاخلية قائلًا:
- جدموا بسرعه لهم.

      تقدموا إلى القارب مسرعين، وتوقّفوا حوله،  ثم صعدوه بحذر، فوجدوا ريينا قد علت وجهها علامات صدمة شديدة، وأمامها السّفاحة مضرجة بدمائها، وجسدها ينتفض، تصارع الموت.

     وجّهوا أسلحتهم ناحيتها، وأمروها بالاستسلام. فألقت السلاح، وهي مازالت تنظر بصدمة ناحية جثة السّفّاحة.

     تمتمت ريينا:  
- قتلتي نفسج يا آمنة .. ووما تركتي لي مجال انحاش من هالديره!!

     قال القائد مستغربًا:
- قتلت نفسها!!!!؟

    ابتسمت ريينا بكبرياء، وأجابت: 
- للأسف انها قتلت نفسها، ولا اصلا ما تقدرون تمسكوني !

     تبسّم قائد خفر السّواحل ساخرًا من كلامها، وأمر رجاله باقتيادها خاضعة إلى المخفر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )