السبت، مارس 14، 2015

(( .. لغز الرّؤوس الثّلاثة .. ))


الفصل الرّابع


 وفي اليوم التّالي، كانت ريينا تشعر بخوف أكثر من صديقتها بعدم قبولهما للعمل بالقصر، حيث كانت تتمتم:
-         سُحقًا لذلك الحارس البغيض، سُحقًا له.

سألتها فاطمة مستغربة:
-         لماذا تتمتمين هكذا؟

ردّت بانزعاج:
-         أنا متأكدة بأنّه عرفني، وسيخبر مشعل بأنّني لستُ أهلًا للعمل في قصره. كم أكرهك يا غسّان، أكرهك.

قالت لها صديقتها تحاول تهدئتها:
-         لماذا تستبقين الأحداث؟ فهو لم يعرفك، ولو عرفك .. لرًبما طردك!

-         آه، آمل ألّا يكون وقحًا معي، وإلّا خطّطتُ لقتله شرّ قتله.

وعندما بلغتا واجهة القصر، وجدتا نسوة يقرأن الأسماء، فبعضهن كنّ يبتسمنَ، ويدخلن القصر مبتهجات، والبعض الآخر يرجعن خائبات حزينات.

قرأت فاطمة الأسماء، فوجدت إسمها، ففرحت، لكنّها سرعان ما حزنت حين لم تجد إسم صاحبتها. فالتفتت بوجهها نحو ريينا، فوجدتها مبتسمة، فاستغربت، وقالت لها متسائلة:
-         كيف تبتسمين وإسمك ليس موجودًا؟

ردّت بابتسامة، وبصوتٍ خفيض:
-         بل موجود، لكنّني نسيت إخبارك بأنّني قد غيّرتُ إسمي.

دُهشت فاطمة من مكر صاحبتها، ثم ضحكت:
-         يالك من امرأة ماكرة ومخيفة. وماذا سمّيْتي نفسكِ؟ ولماذا غيّرتيه؟
-         ريتا، أقرب إسم من إسمي. غيّرته كيْ لا تعلم أمي بوجودي هنا.

دخلت كل النّساء اللّائي وجدن أسمائهنّ، وفي الطريق إلى قاعة الاستقبال ف القصر، قالت فاطمة لصديقتها:
-         أرأيتِ، قلتُ لكِ لا تستبقي الأحداث! فغسّان لم يعرف وجهك.
-         أصبتِ يا صديقتي.

دخلن إلى القاعة، وهناك استقبلهنّ الثّري بوجه بشوش، فاصطففن أمامه، وكان عددهن اثنا عشرة امرأة، فأملى عليهنّ قوانين القصر، ووزّع عليهنّ أعمالهنّ، فوكّل ريينا العمل في المطبخ، بينما فاطمة، فقد وكّلها العمل في المخزن. وبعدما انتهى كلامها، طلب من حارسه الشّخصي أن يرشدهنّ إلى غرفهنّ، ثم يبدأن عملهنّ.

كانت غرف الفتيات في غاية الأناقة والبساطة، ففيها السّرائر من أجود انواع خشب المدينة، وعليه الفراش الوثير، والبطائن الزّهريّة. ويوجد في زاوية كل غرفة دولابًا بسيطًا صغيرًا يكفي حاجاتهنّ. وعلى أرضيّتها سجّادة دائريّة صغيرة، قد صُنعت من وبر الدّببة البيضاء. وكرسي وطاولة مقابل السّرير.

أثناء ذهاب ريينا إلى المطبخ، كانت تتضّجر في نفسها:
-         إنّ حظّي دائمًا مع المطابخ! في المنزل مطبخ، وهنا مطبخ، كم أبغضها. لكن سأصبر إلى حين بلوغ مرادي.

عندما دخلت المطبخ، كانت صدمتها بادية على وجهها حين رأت أنّه عكس ما توقّعت، فقد كان مرتّبًا ونظيفًا، والقليل من الصّحون المتّسخة على المغسلة، وليس فيه عملٌ كثير. استغربت كثيرًا من هذا الأمر! كيف أن يكون هذا القصر الكبير مرتّبًا إلى هذه الدّرجة؟ فبدأ الفضول يغلي كاللهيب في نفسها، فمرّت من المطبخ خادمة قديمة، فنادتها، وسألتها عن سبب هذا التّرتيب، فأجابتها بأنّ سيّد القصر يكره البذخ والإسراف، وهو إنسان غريب الأطوار، وأنّه برغم كراهيّته للتّبذير إلّا أنّه ينفق بماله إنفاق الذي لا يخاف فقرًا.

ثم نظرت الخادمة القديمة حولها، وهمست للجديدة:
-         سأخبرك سرًّا، بصراحة لقد كان قبلكنّ خادمات كُثُر، لكنّهنّ تركن عملهنّ بسبب أنّ الملل قد تمكنّ منهنّ بسبب ما عانينه من الفراغ المميت. فهو يجدد طلب الخادمات بين الفينة والأخرى، وليست أول مرّة يفعلها.

ذُهلت ريينا، وفكّرت بهذا الأمر، وتساءلت بغرابة عن تفكير أولئك الخادمات اللاتي يحببن العمل! لم تظنّ يومًا بأنّه يوجد نساء هكذا يبغضن الراحة والترف. وفي نفس الوقت، ابتهجت لكلام هذه الخادمة، ووجدت أنّ هذا الفراغ سيمنحها وقتًا للتخطيط كيْ تصل إلى ما جاءت لأجله.

***
          كان غسّان كلما واجه ريينا ينظر إليها بنظرات حادّة، ويتأمّل ملامحها، ويتيقّن بقرارة نفسه أنّ صاحبة هذا الوجه لم يكن موقفها عاديٌّ كما ظنّه من قبل. وهي لم تكن تبالي بنظراته، ولا تصرف وجهها عنه لكي لا يشكّ بها.

          ومكثت الصديقتان لأسابيع، وكانتا في أوقات فراغهما تقومان بتحرّيّات في أروقة القصر بحذر، ثم تعودان إلى غرفتهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )