الأحد، يوليو 13، 2014

(( .. رواية: قبضة الهَلاكْ .. ))


الفصل الخامس عشر

مجرمٌ مجهولُ 




كانت تشيريف في طريقها إلى الفندق لكن لسوء الحظ، فتذمّرت من كونها طيرًا، فقالت لنفسها:
-يااي شنو هذا!؟ الطير مو سريع مثل الطبق الطائر! عسى الله يصبرني، وما تنحاش البشريّة.

    وعندما وصلت الفندق، لسوء حظّها، لم تجد جوري، فأحست باليأس، والإحباط. وبعد لحظات رجع الوفد المرّيخي من مجمع المارينا. فدخل تشيكيل غرفته، ولم يجد جوري، فسأل تشيريف عنها، فأجابته بما حدث معها!

       غضبت تشي قائلة:
- يا لهولهم! البشرية دامها، الحمدلله، استرجعت عافيتها، فهذا ما يهمني .. بس اللي باط جبدي ذيج العصابه! لازم نأدبهم.

       قالت تشيمير:
- ياللهول، ريحي بالج يا تشي! واحنا ما نبي مشاكل ... خل نرجع للمريخ أبرك.

        أيدها تشيكيل. أحسّت تشيريف بخيبة امل، فحدثت نفسها:
- آآآه بنرجع للمريخ، وانا ما لقيت ذيج السمينة! ما يصير جذي.

      قالت تشيمير:
-       تصدقين تشيريف .. لو أنّهم ماسكيني بمكانج جان ما فكرت باللي سويتيه أبدًا!
 بس انتي فطينية ماشاءالله.

        ردت عليها بكبرياء:
-       خلي هالأمور لأصحابها.

***

        في صباح اليوم التالي، أيقظ مشعل أخته حور .. لتذهب إلى المدرسة باكرًا، لكنّها لم تستيقظ، فرفع عنها الغطاء. فانفعلت، وقالت له:
- ياخي شتبي؟ خلني نايمة!

     رد غاضبا:
- أقول قومي ... بعد شوي بيطق الجرس، ويروح عليج الطابور
- شدعوه عاد أنا أحضره .....

    زلّ لسان المسكينه، فقال بذهول:
- شنو؟ عيدي شقلتي!!! ما تحضرينه؟ عيل شعندج تروحين مبجر كل يوم؟

     سكتت حور، ولم تُجبه. فسحبها من (كشّتها)، وصاح :
- يعني ما تحضرين الطّابور ها؟ عيل وين تروحين؟ لا يكون مواعده حبيبج.

      رمقته بنظرة حاده، وقالت:
- تشك باختك؟
- ما أشك .. بس قوليلي وين تروحين؟

     ردت بعناد:
- والله ماراح أقولك زين! وأنا بنام، وبغيب .. مزاجي صار مو شي!

      قبض مشعل يده، وقال لها مهدّدًا:
- شوفي، إنْ ما قمتي جدامي .. قسما بالله لأطقج! الخدامه أماجي وراحت .. يعني محد يفكج مني.

      لم تتمالك نفسها، فبكت، وقالت:
- أبي أعرف .. أنت شتبي؟ أول مره اشوف أخو .. جذي قاسي مع أخته!! عمري ما ارتحت بحياتي بسبّتك.

       حينها عضت القطّة قدم مشعل، فصاح من الألم، ولحق بالقطة يتوعدها. فأقفلت حور باب غرفتها على نفسها، وأكملت تبكي، وإلى الله تشكي.

      ثم خرج مشعل من المنزل، بعدما يئس من عناد أخته حور. ففتح باب السيارة .. وقبل أن يركبها، لاحظ أن الإطار الإمامي مثقوب!!ولاحظ أيضًا، ورقة معلقة على النافذة، مكتوب عليها بخط حاسوب شخصي:
"
شوف هالمره بطّينا تاير سيارتك .. وهذي مقدمة للي راح يحصل .. فاللي ياي بيكون أنت"

    قرأ الرسالة عدّة مرّات، محاولًا استيعاب ما كُتب فيها! فتذكّر تهديدات عبدالرحمن، فلم يهتم به، وقام باستبدال الإطار، ثم انطلق إلى عمله.

      وصل إلى هناك مبكّرًا جدًّا، قبل الموظفين، وجلس في مكتبه. فلما وصلت ريينا، تفاجأت بأن مكتب مشعل مفتوحًا، فتساءلت بحيرة شديدة في نفسها :
-
معقولة مشعل واصل مبجر!! ولا أنا أحلم؟ أخاف الفرّاش قاعد ينظف مكتبه، أو يمكن مشعل نسى الباب مفتوح منْ يوم الخميس!! خل أدخل وأتأكد .

      تقدّمت بحذر نحو مكتبه، فكانت صدمة .. أن رأت مشعل يطبع الأوراق، وكان منشغلًا جدًّأ، ولم ينتبه لها. فرجعت إلى الخلف، ثم مضت إلى مكتبها، وهي مازالت في حيرة، وذهول!

     بعد لحظات قليلة، وصل المدير إلى مكتبه، واتصل بمكتب ريينا قائلًا:
-
ريينا .. لو ما عليج أمر .. روحي مكتب مشعل، وطلعي المستندات .. عشان أوقّع عليهم.

     ردت ريينا بصوت يملؤه الحيرة:
-
أستاذ جواد .. مادري شقولك! بس في شي غريب صاير !!!

     سألها المدير باستغراب، ودهشة:
-
عسى ماشر، إنْ شاءالله خير؟
- مادري، بس مشعل أول مره ايي مبجر!! أحس إنّ الدنيا بيصير فيها شي !!!

     قال جواد بذهول شديد:
-
من صجج انتي؟ هالكسول ياي مبجر؟ لا مستحيل .. هذا الظاهر ينّي متحول على شكل مشعل!! تأكدتي أنّه أهو؟ قريتي آية الكرسي؟ يمكن الينّي هذا راح يختفي لو قريتيها.
- لا لا لا .. والله اهو مشعل ... حتى تعال تأكد بنفسك.

     رد عليها بعد صمت:
-
أوك. بيي .. والله يستر !

      نزل إلى الدور السابع، ومضى إلى مكتب مشعل بحذر، ويتمتم بالبسملة. فلما بلغه .. نظر إليه، فوجده يعمل بجد! تحرّكت شفتيه ذاكرًا الله، فتعجّب المدير، وقال في نفسه:
-
معقوله هذا مشعل!!! غريبه ياي مبجر جذي! مو من عوايده. أتوقعه يبي شي! خل أدخل واشوف !

     سلّم المدير عليه، فردّ السلام بابتسامة. ولما جلس جواد بالكرسي، أمام مكتب مشعل، قال ممازحًا:
-
مشيعل .. غريبه ياي مبجر!! لا يكون حاس انك بتموت، وتبي تصير إنسان صالح على آخر أيامك؟؟

      أجابه ضاحكًا:
-
لا، بس أنا جيت مبجر عشان آخذ إذن خروج بعد ساعه.

     خاب أمل المدير، وقال له، وهو يهز رأسه:
-
إذن خروج ..!!! همم اوك، اكتبه الحين، وخل اوقع لك عليه، لأن مو فاضي بعد شوي.

        كتب مشعل الإذن، ووقع عليه المدير، ثم انصرف إلى مكتبه، وهو يتمتم:
-
ياويلي، وآخرتها إذن خروج! كنت حاس إن في مصلحة يبيها! هالموظف ما ايوز عن طبعه، الله يهديه.

     ثم اتصل بريينا، منْ مكتبه، يخبرها بما سمعه منه. فخاب أملها، وعلّقت:
-
كنت حاسه أنه يبي مصلحة، هالولد عمره ما عرف المسئولية.

       ولما حانت ساعة خروج مشعل، نزل إلى موقف السيارات. وبينما هو في طريقه إلى سيارته .. إذ لمح شخصًا يبعد عنه مسافة بضع مترات، يرتدي السواد، وقناعًا يغطّي وجهه، يوجّه سلاحه الناري نحوه، وقبل أن تنطلق الرّصاصة منْ فوهة السلاح، أدرك مشعل الأمر، وقذف بنفسه بين السيارات، ولم تصبه.

     ثم قام مشعل بحذر، يلهث، ومضى إلى سيارته ببطئ، وعيناه تراقبان المكان جيّدًا. وعندما وصل سيارته .. فتح الباب بسرعة، واندفع إلى داخلها.  فجاءه اتصال منْ رقم غريب، فردّ عليه:
-
منو؟

      أجابه ذلك الشخص، الذي يبدو أنه يستخدم جهاز تغيير الاصوات:
-
حسافه! كانت الرصاص بتفجر راسك، بس للأسف .. انك حذفت نفسك بين السيايير! عمومًا، من حظك انك بقيت حي، بس المره اليايه .. أوعدك ان الرصاصه ماراح تخطي راسك، باي.

     أغلق الهاتف. فتنفس مشعل الصعداء، وعلق على كلام هذا الشخص، قائلًا:
-
مسكين! واثق بنفسه، ويعتقد ان الموت بيده! وربي راح أظلّ على ما أنا عليه .. دام إني واثق ان طريجي صح.

       خرج بسيارته من مؤسسة الموانئ، منطلقًا إلى منزل نبراس. وهناك، وجد اللواء شهيد، والنقيب عادل، وضابط المباحث سعد. ومعهم مجموعة من رجال الشرطة، ورجال مكافحة المفتجرات.

      استغرب مشعل من وجود رجال المتفجرات، فسأل شهيد عن سبب وجودهم، فالتفت إليه اللواء، وقال:
-
مشعل، متى وصلت؟ 
-
توني بهاللحظة.
-
هممم بصراحة، رفيجك نبراس كان يخترع شي جايد !

     رد مشعل بدهشة:
-
شي جايد؟ شنو هو؟
-
كان بيصنع أربع قنابل .. كل قنبلة تفجر مبنى كامل!!

     علت الصدمة وجه مشعل، ثم سأل:
-
بس شنو هالمباني المقصوده؟
- بصراحه، مادري إنْ كان يقصد فيها مباني أو غيره! بس المهم .. انها أربع قنابل.

      سكت مشعل قليلًا، ثم قال:
-
لا يكون سجنتوا نبراس؟

      تقدم شهيد ناحية مشعل، ثم همس في وجهه، قائلًا:
-
لو درى وزير الداخليه بهالشي، فراح يسجنه مؤبد! بس دام القضيه بيدي .. وأنا فاهمها عدل، فراح أخليه يكتب تعهد! خصوصا أنه متردد، وما قصد الشر. ويكفي أنه وقف عن صنعها. لأن لو أنه انتهى من صنعهم .. فراح تكون العقوبة أشد.

       أخذ مشعل نفسا عميقا ثم زفر، وقال:
-
اشوى الحمدلله .. عسى الله يريحك مثل ما ريحتني.

      جاء نبراس، ورحب بصديقه. قال مشعل له:
-
أهلين نيبو .. الحمدلله، الأمور مشت تمام، عاد اتصل فيك عبدالرحمن؟
- لا أبدًا .. أصلًا مقفل جهازي، ومالي خلق حتى أشوف رقمه.

       حينها جاء لمشعل اتصال غريب مرّة أخرى، ومن نفس الرقم الذي اتصل به قبل قليل. فقطّب جبينه مستغربًا، ولاحظ عليه شهيد ذلك، فسأله عن أمره، فأجابه، وهو يعرض عليه شاشة هاتفه، قائلًا:
-
هالرقم ... قبل شوي اتصل فيني ويهدد! والحين هم متّصل !

    ذهل الجميع، فقال له اللواء:
-
عيل خل نحط جهاز التعقب، اللي صنعه لنا نبراس، بس أهم شي .. طوّل معاه بالمكالمه.

     وضعوا الجهاز في هاتف مشعل، ورد عليه:
-
عفوا !!!

رد المتصل بضحكة قائلًا:
-
مشعل يا مشعل ...عبالك متصل عشان أهدّدك صح؟ أنا متصل عشان أبشرك ان بيتك قاعد يحترق! ومن الحين راح تتشرّد! أما أختك حور .. فهي ما تستاهل بس ما بيدنا شي! لازم ...

     قاطعه مشعل بصراخ غاضبًا:
-
يا النذل ... أختي بالبيت، ومقفله على نفسها الباب! أقسم بالله .. لو صار فيها شي .. راح تندم.

     أنهى مشعل المكالمة في وجهه، ثم قال للواء :
-
يرحم والديك شهيد .. اتصل بالطوارئ، خل يرسلون اسعاف، ومطافي لبيتنا، وأنا لازم ارجع أنقذ أختي.

       حاول شهيد منعه من المخاطرة بنفسه، لكن مشعل انطلق الى سيارته، ورجع للبيت، متجاوزًا كل حدود السرعة، والإشارات الحمراء! وكان يدعو الله أنْ ينقذها من هذا المأزق! وأنْ يحميها. وعندما وصل منزله .. وجد جمع  كبير من الناس يتأملون، وبعضهم يصور فيديو، ليضعه في صفحته على الكيك، وبعضهم يصور للانستقرام، وهكذا، كلٌّ حسب ميوله، وهواه.

    ركن سيارته في أقرب مكان من منزله، ثم نزل يركض، ويصرخ:
-
اختي .. اختي.

    فدخل من بين الناس، فلاحظ أخته حور ممدة بجسدها على الأرض بلا حراك. فسالت دموعه، ومشى ناحيتها بقدمين تتثاقلان على المشي! ولم يشعر بنفسه حتى جثى بجانبها، والألم يعتصر قلبه يناديها:
-
حور .. تكفين اصحي!! يارب ما تكونين ميته!!

      فتحت حور إحدى عينيها، وقالت:
-
مشعل!

     مسح مشعل دموعه، وابتسم قائلًا:
-
ياربي لك الحمد، منو اللي أنقذج؟؟؟ لازم أقدم له المعروف هالإنسان.

     جالت حور ببصرها حولها، ثم أجابته:
-
ما أذكر صراحه .. بس كانت بنت لابسه أسود، وشعرها لونه أحمر! كانت قوية، ما توقعت بنت تنقذني!! بس كسرت خاطري .. لأنْ كفها اليسار احترق لما مسكت يدّة الباب.

     سكتت حور فجأة،  وكانّنها تتذكّرت شيئا مهمًّا، فقالت:
-
لحظة وين قطوتي؟
- مادري صراحه .. أنا توني جيت.

     بكت قائلة:
-
تكفى مشعل .. أدخل وشوف قطوتي !!
-
حور الله يهداج .. شنو أدخل؟ البيت قاعد يحترق!! فإنْ دخلت يمكن أموت!! الحين بتجي الاسعاف والمطافي، وما يصير خاطرج إلا طيب.

     ألحّت عليه أنْ يدخل، لكنه رفض ذلك. وبعد دقيقة وصلت المطافي، والاسعاف، فقاموا بعملهم، وأخذ المسعفين حور إلى المستشفى. ومن سوء حظها، أنّ قطتها ماتت مختنقةً.

    قام الطبيب بعلاجها، ثم حجز لها مشعل غرفة خاصّة.  وحين علمت بخبر موت قطّتها .. بكت كثيرًا، حتى نامت. ولما استيقظت .. وعدها أخوها بأنْ يجلب لها قطة جديدة. ورغم رضاها بهذا العرض .. إلا أنّ الحزن مازال في قلبها لفراق حبيبتها، التي لطالما عاشت بين أحضانها.

     بعد ساعة من هذا الحدث .. اتصل المدير علي مشعل يخبره بأن ريينا تعرّضت لحادث، وهي في مستشفى الاميري.

     أحس مشعل بألم في قلبه، فاسترجع ربه، وقال:
-
يالله!!! مصيبة ورى مصيبة! عسى الله يصبر قلبي.

      انطلق إلى مستشفى الأميري، وفي الطريق، تساءل بنبرة حائرة:
-
من تكون ذيج أم شعر أحمر؟ معقوله هي الشخص نفسه اللي كان يهددني؟ لأن اللي أطلق علي الرصاص كان لابس أسود، ويمكن لما عرفت إنْ أختي بالبيت، نزعت قناعها .. عشان ما تحس بخنقة الدخان، فشافتها حور!! ماكو شي مستبعد. بس ودي أعرف .. دام هالبنت عندها جانب إنساني .. ليش تبي تقتلني؟ طبعا إنْ كانت هي فعلًا الشخص نفسه .. بمواقف سيارات المينا!!! أمر غريب.

***

    كانت أحلام، الطالبة في ثانوية البنات، والعضوة الجديدة في العصابة الخماسية، جالسة مع أختها لولوه، المذيعة المعروفة والمتألّقة، في صالة المنزل.

     سألت المذيعة أختها:
-ما منْ أخبار عن ذيج البنت؟
-ما زلت أحاول أتقرّب منها .. وأعرف الصلة اللي تربطها باللي قلتيلي عنها.

    قامت لولوه، متوجّهة إلى غرفتها، وقبل أنْ تمضي، قالت لأختها:
-استعجلي يا أحلام، أنا أثق فيج، وترى أقدر أوكّل المهمّة لغيرج! بس لأنج أختي، وقريبة مني، وكّلتج ياها. شدّي حيلج.
-ابشري يا أختي، ولا تنسين اني انضمّيت للعصابة الخماسية عشان هالشي، فقاعد أسوي اللي أقدر عليه. وإن شاءالله قريب .. راح تعرفين الحقيقة.
   

***

      عند الظهيرة .. كانت الوزيرة أشواق، مازالت شاردة الذهن، تفكّر بابنتها. فقالت لها أمّ شهد بعد تفكير:
-  عندي لج خوش فكره، شرايج تتصلين على اللواء شهيد؟ صدقيني بينقذج .. لا تشيلين هم، هو رجل شجاع، وقادر على أنّه ينفّذ أخطر المهام، وبسرّية تامّة.

     فكّرت الوزيرة بكلامها، ثم قالت مقرّةً:
- خلاص، قرّرت أبلّغ شهيد، وأمري لله. لأن هذي مهمّة خطرة، وتحتاج شخص قادر، ومتمكّن. وعسى الله ييسرها، وينقذ بنتي.



__


مرادفات:

جايد: هائل وعظيم.

هناك تعليقان (2):

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )