الجمعة، يوليو 18، 2014

(( .. رواية: قبضة الهَلاك .. ))





الفصل العشرون


مواجهة شرسة







      ركبت مريم سيارتها، التي ركنتها بالقرب من الحصان، منتظرة خروج ليلى. وبعد مرور نصف ساعة من الوقت .. رأتها تخرج وصديقتها من المجمع. فابتسمت قائلة:
- هذي المغرورة .. اليوم راح اصدمها لما أنزع الوجه اللي متنكره فيه .. راح تتفاجأ بحقيقتي! وراح أعلمها شلون تتجرّا على الزّعيمة.

     لما وصلت ليلى عند حصانها .. قالت للجموع، المُلتف حوله:
- وخروا مناك يلا ... أول مره تشوفون حصان؟

     ابتعد الناس، فامتطت حصانها، وصعدت ميمو خلفها، ثم انطلقت خارجًا. فتبعتها الفتاة، تسير ببطئ خلفها. وحينما وصلت ليلى إلى مكانٍ خالٍ من المارّة .. أسرعت الغريبة بسيارتها إلى جانبها، وأنزلت النافذة، وقالت:
- ليلى .. اسفطي عاليمين، أبي اكلمج شوي.

    ذُهلت ليلى، وقالت:
- وانتي للحينج لاحقتني؟ شتبين؟ يلا منّاك، مو فاضيه لهالاشكال.

      أحست الفتاة بأنّ ليلى جرحت كبرياءها، وتمادت أكثر، فأخرجت سلاحها الخاص، ومسكتها بيدها اليمنى، ووجهتها ناحية الحصان، قائلة:
- شوفي ... وربي لو ما وقفتي .. ترى برمي حصانج!!

    همست مريم في أذن رفيقتها:
- ليلى حبيبتي .. بعد شنسوي!! وقفي عاليمين.

     تنهدت ليلى، ثم وقفت بجانب الطريق، وتوقّفت الفتاة بسيارتها أمام الحصان. نزلت عضوة العصابة، ثم مضت إليها، وتقابلتا وجهًا لوجه. فقالت العضوه:
- أعتقد انج ما عرفتي منو أكون بالضبط!!

    كتّفت ليلى يديها، وأجابتها:
- ومنو تكونين حضرتج؟

ردّت عليها، وهي تنزع القناع التنكّري:
- أنا اللي كنت أتدرّب معاج قبل سنوات .. تذكرتيني؟

    بدت الصدمة على وجه ليلى، فقالت:
- امبيه!! مريوووووم؟؟  معقولة؟!

     تراءت أمام عيني ليلى ذكريات مضت مع مريم، حينما كانت تضاحكها أحيانًا، وأحيانًا تقدم لها الهدايا في المناسبات، وأحيانًا تساعدها وغيرها من المواقف الانسانيه، فقد كانتا صديقتان حميمتان.
    علّقت ليلى:
- لا مستحيل .. مريووم انتي جذي؟ شصار عليج؟؟ ليش انتي الحين صايره شريره؟

     ردت مريم بتهكم:
- شصار علي؟؟ الدنيا هي اللي خلتني جذي .. من عقب ما انكسرت ريلي اليمنى، والمدربه هناء تخلت عني! فكرهت نفسي والحياة. ثم تعرّفت على الزعيمة بأحد المقاهي .. وعرفتني بسبب شهرتي القديمة، ولما عرفت مشكلتي .. عالجتني بنفقتها الخاصّة، وأرسلتني عند أفضل المدرّبات بالفنون القتالية.
- بس هذا مو عذر انج تصيرين مع العصابة! وبعدين ترى المدرّبة هناء ما قصدت تتخلّى عنج أبدًأ. اللي قصدته هو أنّها ....

   قاطعت مريم حديثها، بصوتٍ عالٍ:
-         بس! لا تبررين حماقتها يرحم والديج! أنا خلاص، قطعت علاقتي بكل شي بالماضي .. حتى صداقاتي وعلاقاتي مع الكل. فما أبي أتذكره! كرهته بكل مافيه.

عمّ هدوء قليلٌ في المكان، ثم سألتها ليلى:
-         انزين، وليش زعيمتكم تبيني بالوقت هذا بالذات؟
-         كان عندنا مخططات كثيرة نفّذناها، وكذلك كانت مهمّة إني أوصل لج .. صعبة بسبب قلّة طلعاتج، ولا المفروض، من يوم عرفتني الزّعيمة .. مكلمتج بهالموضوع. وحتّى معرفتي بوجودج هني كان عن طريق الصدفة! قريت تغريدة تقول ان في حصان بالأفنيو، ولما دخلت على هاشتاق الحصان، قريت من ضمن التغريدات .. ان صاحبته هي ليلى المعروفة بالفنون القتالية، فاستغليت الفرصة وييت.

     سكتت ليلى لثوانٍ، ثم قالت:
- مريم .. انتي صديقة قديمة، وما ودي تكونين مع عصابة شريرة. أنا مازلت أحبج، وحتى لما قطعتي عني بالسنين اللي فاتوا كنت أعذرج. وكنت أقول ان الظروف ممكن هي منعتج مني، بس ما توقعت ان أعمال الشر هي اللي منعتج!! فياليت تتركينهم.
- انسي الماضي يا ليلى .. فهو مات. وعلى فكرة ... ترى قريب راح أنتقم لنفسي من المدرّبة المغرورة .. عشان أعلمها شلون تتركني بسبب كسر!

    ثم أردفت مريم بسؤال:
- ولو مديت ايدي عليج الحين .... شنو بيكون موقفج يا قبضة الهلاك؟

      التزمت ليلى صمتها، وتذكّرت بعض المواقف الجميلة التي جمعتها معها، ثم أجابت:
- مريم ... أنا لا يمكن اني أنكر الماضي .. لأنه  ببساطة، جزء من حياتي .. بسواده وبياضه ... هو ذكرياتي اللي لا يمكن اني انساها. فصعب أسوي شي يأذي صديقة لي، خصوصا لو كنتِ انتي!

    ردت مريم بتهكم وحنق:
- الماضي .. الماضي .. الماضي!! ترى لوعتي جبدي فيه!!! خلاص هو شي وانتهى! وأنا لازم أسكّت الحلج اللي تجرّأ على الزعيمة! 

    ثم تهيّأت للقتال، وتابعت:
- استعدي يا ليلى .....

    نظرت ميمو بذهول إليهما، فتقدمت، ووقفت أمام ليلى، فاردة ذراعيها، قائلة لعضوة العصابة:
- يرحم والديج خلاص!! احنا مو ناقصين مشاكل! واللي يسلمج .. اكفينا شرج.

     ضحكت العضوة:
- ممكن تبتعدين شوي؟ لأن الحجي كله، بيني وبين ليلى. فياليت ما تحشرين نفسج بينا.

       قالت ليلى حينها:
- ميمو حبيبتي ... وخري الله يخليج، ولا تدخلين نفسج، لأن ما ودي تنضرين عشاني!

     استدارت ميمو إليها، وقالت بصوت حزين:
- ليلى حبيبتي .. ما أقدر أتركج جذي! تكفين خل نرجع .. ما نبي مشاكل!! الله يخليج.

    أسدلت ليلى عينيها .. وسقطت قطرات من الدموع، فدهشت ميمو، وقالت:
- ليلى!! تبجين؟؟ مستحيل!

    مسحت ليلى دموعها، وردت برباطة جأش:
- ما أبجي! هالدموع نزلت مو بسبب ضعف مني .. وإنما بسبب خيبتي بأعز إنسانه بحياتي.

       ثم دفعت ميمو برفق، وقالت لها:
- اصعدي الحصان .. وروحي قبلي للبيت! وتذكروني بخير.

     لم تحتمل ميمو كلماتها، فبكت، وقالت:
- يا قلبي .. مو ملزومة تواجهينها!! خل نرجع الله يخليج.
- من قال بواجهها؟ ما أقدر امد ايدي عليها. ومهما حصل .. تبقى عزيزه على قلبي .. ونوعي مو ردي عشان أنكر الماضي.

     حينها، لم تصبر عضوة العصابة أكثر، فوجهت ضربة بقدمها على جسد ليلى. فصاحت ميمو:
- ليلى انتبهي .

     من سوء الحظ .. لم تتمكن ليلى من صد ضربتها، فوقعت على الأرض تتألم. فاندفعت ميمو إلى صديقتها تهزها، تحاول إيقاظها.

     قامت ليلى رغم الألم، ووقفت أمام صديقتها القديمة، قائلة:
- شفيتي غليل قلبج .. ولا بعد؟ ترى عادي أتحمل ضرباتج! لأن مو أول مره أنطق جذي بحياتي .. أهم شي اني ما أنهزم، وأستسلم بسهولة.

     ثم عضت شفتها السفلى، وصرخت في وجه ميمو، بعينين جاحظتين:
-         روحي الحصان بسرعه، واسبقيني للبيت!

     لم تستطع ميمو أنْ تسمع كلامًا أكثر، ولا أنْ ترى صديقتها تُضرب أمامها، فانطلقت تركض، وهي تبكي إلى الحصان، فامتطته، ومضت بعيدًا.

      علقت مريم بزهو:
- احنا بروحنا الحين يا ليلى!! يعني لو قتلتج .. محد بيدري منو اللي قتلج. والله اني راح أتلذذ بقتلج، وأصورج، وأخلي الزعيمه تتلذذ بشوفتج .. وانتي تصارعين الموت.

     ابتسمت ليلى، وقالت بثبات:
- حبيبتي ... ممكن أسمح لج تطقيني وتبردين جبدج .. لكن لا يمكن اني إسمح لج، ولا غيرج انه يقتلني! يعني لو وصلت للموت .. راح أدافع عن نفسي. فإن مت، فموتي بعز وشرف .. وإنْ ظليت حيه .. فراح تبقى نفسي عزيزه.

     هزت كلمات ليلى مشاعر مريم، فغضبت واندفعت ناحيتها .. تضربها على وجهها، وتارة تركلها على بطنها، وتارة تضربها على راسها بمرفقها، وليلى تحتمل تلك الضربات الوحشيّة.

    سال الدم من فم ليلى، وبانت على وجهها الكدمات، والرضوض. فقالت لمريم:
- الى الآن مازلت أتحمل. يلا .. إذا شبعتي .. قوليلي عشان أمشي.

    لم تستطع مريم استيعاب ما يحصل، فهمهمت:
- بعرف .. ضرباتي القاسيه كلها مالها تأثير قوي؟ أنا اللي رجلي كسرت أبواب الخشب الصّلب ... ما كسرت شي من هالإنسانه!! لازم أنهي أمرها.

    ثم التفتت إلى سيارتها، وانطلقت نحوها، فأخرجت منها الذخيرة، ووجهتها ناحية ليلى، وقالت لها:
- ليلى ... أعتقد ان نهايتج حانت!! وهالذخيره هي اللي راح تختم حياتج. فقوليلي .. شنو أمنيتج الاخيره، عشان أبلغ خواتج عنها.

      ضحكت ليلى مجيبةً:
- شكلج ناسيه إني درت العالم كله عشان أتعلم فنون القتال، وشلون أحمي نفسي من السّلاح؟

    سألتها مريم متحيرة:
- شقصدج بهالكلام؟
- نسيتي اني تعلمت اساليب النينجا؟ اللي يتمتعون بأساليب الخفة، والحركة السريعه؟

     فقفزت ليلى قفزة سريعه إلى الجنب، بينما مريم لم تستطيع أنْ تطلق ناحيتها، فتعجبت وتمتمت:
- صايره حركاتها سريعة وايد!

      كانت حركات ليلى سريعه في تنقّلها .. من مكان إلى مكان! فغضبت مريم، ثم أطلقت بشكل عشوائي، ولم يصب خصمها شي، فقالت بغيظ شديد:
- معقولة!! أنا الذخيرة الرمادية .. ما قدرت أخدشها!

      ضحكت ليلى، وقد كانت خلف سيارة مريم، وقالت:
- شكلج نسيتي نصايح المدربة هناء؟ "استرخي، ولا تفكري في الانتقام حين تخوضين معركة"؟ عشان جذي انتي مو قادره تحوشيني بطلقة وحده! وأصلًا ماراح تقدرين على هالشي .. لأن الشر اللي بداخلج ماراح يعينج على الاسترخاء. 

     شحب وجه مريم أثناء سماع كلماتها، ثم ردت تصرخ:
- ما يهمني استرخاء أو غيره. أنا قدرت أقتل الكثير من بعيد بذخيرتي هذي .... وانتي القريبه مني .. ما أقدر؟ مستحيل! اليوم ماراح أرجع إلّا لما اصورج .. وانتي ميته.

ابتسمت ليلى بسخرية، وقالت:
- حاولي إن كنتي قادره على خدشي.

     عند تلك اللحظة، سمعتا صوت صافرة سيارات الشرطة آتية في طريقها إليهما، فالتفتتا ناحية الصوت، ثم نظرت مريم إلى ليلى، وقالت لها بنبرة تهديد:
- ما عليه يا ليلى .. هالمره أنقذتج الشرطة! لكن مرّه ثانيه ... لنا لقاء، ويمكن يكون الآخير!

     ثم انطلقت إلى سيارتها، وفرّت هاربة.

      جثت ليلى على ركبتيْها، وأخذت تتنفس بقوّة من شدة التعب، فجاءت سيارات الشرطة، ونزلت ميمو منْ إحداها، وركضت ناحية صديقتها، فاحتضنتها. وبعد ثوانٍ وصلت سيارة الاسعاف، وتم اسعاف ليلى إلى المستشفى.

***

    قبل منتصف الليل .. في شقة الأركة، دخلت فستقة، وكان وضعها مريبًا، فقالت لها الافعى:
- عسى ماشر فستقه؟

    جلست فستقة على الأريكة، ووضعت يدها على رأسها، قائلة:
- ماكو بس شوي أحسّ بأرق!! يمكن لأني شاربه وايد قهوة اليوم.
- مو قلنا لج .. لا تكثرين قهوه بس انتي راسج يابس!

    أخذت فستقة نفسًا عميقًا، وقالت:
- اليوم كان ممل ...!
- ليش؟ وين بندقه صاحبتج اللي دوم معاج؟
- مادري عنها! كنا كالعادة بالمقهى عالبحر، ولما خلصنا من القهوة، قالت لي انها بتشتري كتب وبلوزه من المارينا.. وتلحقني للشقّة! ومادري شفيها تأخّرت.

      دخلت الزعيمة، وسألت الأفعى:
- وين بلّو؟ شصار عليها؟

    أجابتها:
- سوينا كل اللي قلتي عليه، أنا والأناكوندا وندى والرّاكون .. ومشت الأمور تمام التمام. وباجر بتكون هني.

     هزت نوف رأسها قائلة:
- شي جميل، انزين وشصار على صاحبج؟
- اليوم خلص آخر تدريباته على القنص .. عشان باجر الصبح يبدي مهمته.
- يعني مستعد؟
- اي مستعد ... وماراح يخيب ظنج يا الاركة.

    ابتسمت نوف بمكر، وقالت:
- عيل شوفي .. إنْ أخطأ، تعرفين شنو تسوين له؟ لأن ماراح يكون لنا حاجة فيه. وإذا أصابها .. فعطيه الفلوس، وممكن نستخدمه بامور ثانيه. في شخصيات في بالي لازم أتخلّص منهم!

جلست بجانب الأفعى، وزفرت زفرة خفيفة، وأكملت:
- شكلي بستخدمه بدل الذخيرة مريوم .. هالبنت احيانًا مطفوقة ما تعجبني، بس لمّا أفكر انها صلبة كالفولاذ .. وضرباتها تكسر الحديد .. استبعد فكرة الاستغناء عنها.

     سكتت برهة، ثم أردفت:
- اليوم اتصلت على زهرة الجحيم .. وطلبت منها مهمه ما يقدر عليها إلّا هي!! راح تييب لي راس جوري.

    علت الدهشة وجه فستقة والافعى. فسألتها الافعى:
- شدعوه يالزعيمة! انتي مو مكلفة بلّو فيها؟ مو احنا اتفقنا؟ وبعدين زهرة الجحيم ما أثق فيها صراحة!! تيي عندنا يوم .. وتغيب سنة.

    ابتسمت نوف، وأجابتها:
- ما تغيب مني والطريج!! لأني أكلفها بمهمات صعبة وسرية جدًّا وخطرة .. ومرات أستخدمها لما يستصعب عليكم أمر معين! وبلّو ما قدرت تقتل جوري .. وحتّى ذيج الفضائية ما قدرتوا عليها! عشان جذي اضطريت أكلّف زهرة.

     أطرقت الافعى رأسها، قائلة بصوت خفيض:
- يا كرهي لزهرة! الحين راح تشوف نفسها علينا .. وتذل أخلاقنا بكلامها!

    بعد لحظات، دخلت بندقة، فالتفتن ناحيتها، وقالت نوف:
- بندقة .. وينج فيه؟ توج تيين؟

    أجابتها، وهي تتقدم ناحيتهن:
- اشتريت حق أختي جم شغله من المجمع، ورجعت البيت .. وكاني ييتكم.

     علقت فستقة على كلامها بنبرة شك واستغراب:
- مو على أساس قلتي بتشترين لج بلوزة، وكتب؟
- اي رحت اشتريت بعد .. وعقبها اشتريت حق أختي الصغيرة! يلا بسوي لكم شاي طيب يا بنات.

    ردت نوف باستغراب:
- غريبه! بندقه تسوي شاي؟ شصاير بالدنيا؟

    قالت بندقة ضاحكة:
- مادري صراحة، بس القهوة اللي شربتها مع فستقة .. أحسها عطتني طاقه زايده أسوي كل شي. وحتى شكلي بغسّل المواعين بعد!

    قالت الافعى:
- يه يه يه، يلا عيل .. ضبطينا عاد بالشاي الطيب. ودامج أول مره تسوينه .. فياليت ما تكثرين من الليبتون.

   ذهبت فستقة إلى المطبخ.

سألت الزعيمة الفتاتان:
-         سكتت إيمان ولا للحينها تبجي؟

أجاب الأفعى:
-         لا سكتت، ندى هدّدتها جان تسكت.
-         زين تسوي فيها.

ثم ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتي نوف، وغمغمت:
- باجر موعدنا يا أشواق! إما تكونين على الأرض، أو في السّماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )